WeNeedToTalk#: وداعاً للشباب

وائل عبد الفتاح

إعلانات الحزب الوطني

ليس صدفة وجود إسممحمد السعدي  في اللجنة المنظمة لمنتدى شباب العالم، فهو “لاعب مهم وحيوي في ماكينة الأنظمة الحاكمة منذ إكتشاف مبارك لضرورة وجود “رجل إعلانات  في ماكينته، السعدى إقترب من حدود الشراكة أيام مبارك، وكانت الثقة به عالية إلى حد تكليفه بالإشراف علي حفل زواج جمال مبارك وخديجة الجمال؛ الذي لم يكن حفلا أسطورياً علي طريقة طقوس العائلات المالكة فقط، بل كان حفل تدشين نخبة تريد أن تحكم مع رجلها المنتظر، والسعدي خبير فرز نخب، الي جانب إحترافه نوع من إعلانات يلائم الدولة المصرية، كما اعلانات الحزب الوطني الانتخابية بمزج بين حس الدعاية الشعبية الموجهة الى شخص عادى بدون ملامح أو تفاصيل، مع النزعة السلطوية الحنونة لمبارك، ومن هذا المزيج خرج شعاره الشهير: “الحزب الوطني من أجلك أنت.

1

محمد السعدي يعمل في الإعلانات منذ أكثر من ٣٠ سنة ( شريك إيهاب جوهر في شركة أنيميشن)، اكتشفه كهنة الأنظمة، مع ادراك أن الدولة لابد أن تنتقل في مرحلتها النيوليبرالية من الدعاية الأيدلوجية المباشرة، إلي عالم التسويق (الماركتنج) والترويج لأساليب الحياة على طريقة الشركات.

وفي مفاهيم ترى الدولة أقرب إلي شركة كبيرة، تكون الإعلانات أهم الآلهة التي تعيد تصميم الدولة على مقاس “صاحبها”، وتغير مزاج المستهلك، وتقوده الي الطريق الصالح ليكون “المواطن الصالح”، الذي تستحقه دولة تعلن عن مؤسساتها وكياناتها كما تعلن شركات العقارات.

يخرج مصمم الإعلانات من كواليس المجموعة المهيمنة علي السلطة، ليصبح مع تضخم مساحة الميديا، هو صانع الصور؛ وقائد سري للجماهير؛ وصائغ وعي الدولة بنفسها والمواطن بنفسه.

ولهذا لم يذهب السعدي كما ذهب رجال مبارك وابنه، ظهر احتياج السيسي له، من الحملة الإنتخابية، ثم عندما احتاج إلي لقاء مع الناس في حوار تليفزيوني موجه (كان السعدي مخرجه)، قبل أن يكتشف السيسي بنفسه سحر الميكرفون اللاسلكي ( الوايرليسوالمؤتمرات بما تمثله من عروض مفتوحة للسطة.

محمد السعدي مازال لاعبا، لكنه على الأغلب ليس قريباً من الشراكة مع نظام  “المجموعة الضيقة” الذي يحكم به السيسي، لكنه فعال و يعرف مزاج صاحب السلطة، وغالبا هو الذي إختار شعار #WeNeedToTalk بما يحمله من معنى ملتبس حيث يتخيل أصحابها أنها ستحمل دعوة إلى الحوار، لكنها مثل كل بلاغة تكشف صاحبها، فضحت النزوع القوي الي سلطوية أبوية، وكأنها استدعاء لمجموعات مختارة من الشباب ليسمعوا عظات و حقائق غائبة، ويكون المختارون هم رسل يحملون ” صوت مصر” الذي يتخيل الرئيس السيسي أنه لا يصل جيداًً إلى العالم.

2

قبل يومين من المنتدى (الخميس ٢ نوفمبر) ، أعلنت مجلة “الطبيعة – Nature” عن سر جديد من أسرار تعيش بجوارنا، في مدينتنا القاهرة ، ذلك السر أباحه “الهرم الأكبر”، الذي على ما يبدو لن تنتهي أسراره.

الاكتشاف الذي لم يعلن في القاهرة ولم تهتم به، قامت به بعثة علمية تابعة لمشروع “مسح الأهرام” مكونة من ٣٤ باحثاً من جامعتَي القاهرة وعين شمس المصريتين، وجامعة ناجويا اليابانية، ومعهد فرنسي معني بدراسة الآثار، استخدموا طريقة جديدة كُلِّيًّا لإجراء مسح على الهرم الأكبر، عبر إستخدام أشعة كونية معروفة بإسمالميونات، يمكنها اختراق الأجسام وتكوين صور واضحة لها.

هذا التصوير كشف عن “فجوة” أو “فراغ” يمتد على طول ٣٠ متراً، ليست مجرد غرفة سادسة من غرف الهرم الأكبر والتي كانت مهمتها تخفيف الأحمال.

الاكتشاف مازال في بدايته، لكنه حدث ضخم، يخص القدرة علي استخدام الأشعة الكونية في كشف أسرار الهرم، الذي يضعه المنتدى في تركيبة شعاره، خلفية للتفاخر الصامت، المشغول بتسليع كل شيء، وبيعها على الكائنات الأسمنتية العملاقة التي تحتل فضاء مدينتنا القاهرة، لتسلية سكان السيارات في ساعات زحفهم البطيء لعبور المدينة.

ولأن التسلية في وعي دولتنا لابد أن تكون مفيدة، وذات رسالة و مضمون، فإنها لابد أن تدفع المتفرج/المستهلك إلى أن يكون جنديا مخلصاً في مسيرة الوطن.

لهذا ابتلعت الأجهزة و المجموعات الحاكمة “كارتل” الاعلانات لكي تستفيد من عائد الإعلان، وايضا لكي تطمئن بنفسها على أن المصريين ينامون سعداء يحلمون باليوتوبيا الوطنية.

3

هذه الرسائل تحاصرنا بحضور يصنع وعيا مباشراً، أو نائماً؛ تتغير معه حياة الملايين المحاصرين يوميا بعمالقة يحملون اعلانات، يوافق عليها صفوة يمكن ان تسمها مافيا الإعلانات، لتشير إليك أنت الكائن الصغير، أو المتناهي في الصغر، ماذا تفعل؟ كيف تأكل و تشرب و تلبس، وماهي حياتك المنتظرة؟

ولكي تصل الرسالة اليك حيث تحشر بالساعات في السيارة، كان لابد ان تتضخم حوامل الإعلانات لتصل إلى مرحلتها العملاقة، كي يبتلعك الاعلان ابتلاعاً. هناك ستجد يوتوبيا مفصلة يجلس على بابها “قائد” يمنحك عظاته و حنانه ليدلك علي طريق الصواب لتكن  “شابا” صالحاً.

هذا القائد خرج من المحلية الي العالمية، ووجه دعوة#WeNeedToTalk.

المشكلة في الرسالة انها وصلت خطأ ،أو فهمت علي محمل مختلف تماما علي أنها دعوة للحوار، ولكنها مثل كل مبادرات اصحاب الاعلان ومنفذيه هي دعوة لشرح وفهم العالم السعيد، الذي سيدخلونه اذا اتبعوا التعليمات والوصايا والعظات التي يقولها منظموا المنتدى

ترميم القوة الناعمة

4

أمينة خليل بعد عودتها من حفل تعميدها في “الجونة”، ضمن الجيل الجديد من القوة الناعمة، كانت الأسبق في رفعها تحية المنتدى، وبدا أن هناك من يرى أن “أمينة” هي “ألفة” السلالة الجديدة من شباب نجوم التمثيل، الذين قرروا بوعي كامل أن لا حياة لهم خارج المنظومة.

هذا الاختيار ليس نفاقاً بالمعني التقليدي، لكنه أقرب الى واقعية أو برجماتية، يلتصق فيها النجم بالمنظومة بإعتبار أن الخارج عنها مفقود، والداخل اليها تولد له الفرص وتستمر من حوله الأضواء. وهذا الإختيار يتحول إلى فكرة تلغي التفكير، تسيطر فيه فكرة الدور المطلوب من النجم في الدفاع أو الحرب أو القتال خارج حدود وظيفته، حماية للوطن، بفكرة مثل هذه كتب مخرجين و ممثلين و كتاب في امريكا تقارير عن زملاء لهم أثناء حملة مكارثي في الخمسينات، حين غادرالفنان و الكاتب المخبر  مكانه القلق المتردد والمنتظر للبحث والإكتشاف، وذهب خلف قصة خادعة عن مؤامرة ضد أمريكا تقوم بها مجموعات يسارية بين الفنانين و الكتاب.

وفي هذه المغادرة تعبر عن مشاعر خوف علي المستقبل الشخصي، وإختيار النجاة مع القطيع، والمصلحة مع الصوت العالي، إلغاء للإختيارات الفردية، ولا التفكير فيما يقال، وهذا ما دفع ثمنه مخرج هام في السينما الأمريكية مثل ايليا كازان، عندما كتب تقارير للجنة مكارثي ولم يجد من يحتفل معه بجائزته في الأوسكار، فقد غادر اغلب الفنانين قاعة الإحتفال احتجاجاً علي مساندة إيليا كازان للهستيريا المكارثية التي أصبحت وصمة تاريخية يوصم بها كل فنان وكاتب يعمل مع سلطة تعادي الحريات.

أمينة خليل تؤدي تحية ``القوة الناعمة``، الصورة من صفحتها الرسمية على الفيسبوك

5

ماذا تعني التحية الغامضة؟ هي حمالة أوجه، تتشابه تقريبا مع الإحساس المتولد من التحية النازية، حيث تبدو موجهة إلى شخص غائب، هل هو الشاب الذي تدعوه للمنتدى؟ أو الزعيم الذي قرر إقامة المنتدى العالمي بعد إعجابه بالمحلى؟ هل هي تحية عسكرية، أو تقدير، أم أنها دعوة الى الاقتراب ،لكن اقتراب بأي معنى؟ ملامح تامر هجرس وهو يؤدي التحية، تشير إلى محاولته تمثيل دور في فيلم كوميدي عن عمليات كوماندوز.

التحية مربكة، وابتسامة أمينة بالطبع لا تشبه الأجيال القديمة من سلالة  “القوة الناعمة” مثل إلهام شاهين و يسرا وعزت العلايلي و يوسف شعبان أو محمد صبحي وغيرهم. هذا الجيل إحتاج كل خبرته في “الأوفر اكتنج” _غالبا من تأثير إحتياج “الدور الوطني” للنجم إلى حنجرة ملتهبة.

وربما التغيير في الأداء سره طبيعة المهمة الوطنية، حيث أصبح البيزنس عنصرا أساسيا داخل كل مهمة، وهذا كان وراء الإنتقال من شكل “الأوبريت” بكل ثقله التاريخي في مصر إلى شكل أقرب إلى حملات منتجع جديد، أو باقة من باقات شركات الإتصال.

ولن نحتاج مجهوداً كبيراً لإكتشاف صلات القرب بين جملة المنتدى؛ وحملة شركة الإتصالات الرابعة WE، ربما لأن صاحب الحملة نفس الجهة، لكن أساسا التشابه في تشكيل الرسالة الإعلانية بطرق الدعاية الحديثة، لكنها تكشف بدون قصد عن نزعتها السلطوية ، ففى حملة شركة الإتصالات كان شعار “احنا اكتر حد عارفك”  يمكن فهمها على أنها رسالة تهديد أبوية من جهات تراقبنا مند الولادة، وتعرف كل شيء عنا حتي مقاس ملابسنا الداخلية، وكذلك يمكن فهم شعار المنتدي على أنه مواجهة عنيفة للحساب بين طرفيْ علاقة غير متساوية مدير وموظف تابع له؛ زوجة غاضبة و زوج إرتكب خطيئة توجب إنهاء العلاقة؛ أب وابنه. في حين  باعته شركة الإعلانات على أنه دعوة للكلام و الحوار بين شباب على إختلاف أديانهم و جنسياتهم و أعراقهم. وإذا تمعنت قليلا في الشعار ومن تحليل علاقته بالمنتدى ومنظميه سيتأكد أكثر أنه دعوة أبوية من “رئاسة مصر” لتفهيم الشباب أخطائهم في التفكير، وهذه كانت البداية مع مؤتمرات الشباب الذي كانت الرئاسة والأجهزة المحيطة بها، في إختيار شباب يشكلون “النواة الصلبة” لما يسمى “البرنامج الرئاسي لتأهيل الكوادر القيادية” وبعد عدة دورات مع الشباب المحليين؛ إتسعت الدعوة لتكون بمشاركة من شباب العالم، ليحملوا إلى بلدانهم أفكارا جديدة عن مصر، فالرئيس ينظر إلى نفسه على أنه “طبيب الفلاسفة” بتعبير لسانه، بما يعني أنه عالمي، وكلامه لابد أن تتسع قاعدة الإستفادة منه، وينقل إلى العالم لتتغير “صورة” وتتحسن “سمعة” مصر.

6

صورة اللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس السيسي تشير إلى طريقة في شحن الملامح بكل ما فيها من طاقة السيطرة، لكي تكون رادعة للأبناء حين توضع في بروازعلى الحائط.

ليست هذه الصورة وحدها دليلا على أن المنتدى يخص الرئاسة، الأجهزة الأمنية مشاركة طبعا بعناصرها النائمة واليقظة ، لكن المفتاح عند “جهاز الرئاسة” الذي تكون خلال السنتين الأخيرتين بمعزل عن الأجهزة الأخرى و اتصاله بها  يتم من موٍقع أعلى هرم الآجهزة التي تسود الدولة.

المنتدى  يكاد يكون “إعلان إحتفالي” عن وجود وحياة وسيطرة وتشكيل جهاز الرئاسة، بتدرجاته من اللواء عباس كامل أقوى رجل في الجهاز والدولة، والمقدم أحمد شعبان حامل ريموت كنترول الإعلام، و الشبكة المحيطة من صحفيين، ومراسلين وديبلوماسيين وغيرهم من مواقع تقوم الرئاسة بتحريكها.

 جهاز الرئاسة صاحب فكرة  استهداف “الشباب” المستوحاة من أفكار متعددة مضروبة في الخلاط من “الوحدات الخاصة” وميليشيات الشباب أيام هتلر وحتى اسرة حورس التي تطورت واصبحت جمعية “جيل المستقبل” التي كانت محاولة نيوليبرالية لتكوين منظمة “شباب” للكوادر التي تحكم.

السيسي وعلى طريقة هذه الأيام في ضرب الخلاط، أسس “أكاديمية الشباب” بقرار جمهوري، وتبعية لرئيس الجمهورية، وقبلها أنشأ مقر ضخم يشبه المعابد المقامة بحس معماريين ايطاليا ايام موسوليني، يضم ٦ بنايات على مساحة ١٠ الاف كيلو متر مربع في مدينة ٦ أكتوبر.

هذه الكوادر المرتبطة برأس السلطة: ماذا ستفعل عند تغييرها؟ هل سيكون جيش يدافع عن “رئيس” يمكنه أن يترك السلطة؟ و هل معابد تأهيل الشباب ستعاند الزمن، وتنسى أن التغيير الكبير في هذا العصر حدث عندما انقلب الهرم ولم تعد المعرفة تسقط من أعلى؛ لأن سكان الأعالي لم يعد لديهم شيء.

7

هذه محاولة تعاند الزمن.

الجيل الذي كان يقتل الوحش أكثر من مرة في العاب الديجيتال نجح في قيادة التغييرعلى طريقة؛ معجزة كلام المسيح وهو صبياً في المهد ، واستماع الأكبر سنا لحكمته.

هذا الانقلاب المعرفي، يعبر عن بنية مختلفة في التفكير. المعرفة لا تأتيه عبر منصات ولا وفق هرم من أعلى إلى أسفل ولكن بالبحث، والصفحات. حيث تذوب المركزية؛ وتتفكك السلطة بمعناها الفيزيائي (السيطرة بالحضور الجسدي) أو الوجودي (باعتبارها تلك القوى المطلقة التي تطاردك يدها أينما كنت).

ليس شيئا عابرا تفكك العلاقة بينالصغارو”الكبار بما فيها من سلطة أبوية ذكورية الذي تسقط منه الرسائل والمعرفة من اسفل إلى أعلى وفق هيراركية؛ تحيط نفسها بهالات مقدسة من: “أخلاق القرية أوتقاليدنا المصرية الأصيلة” أوغيرها من توصيفات؛ ذات طابع أدبي وثقافي وإعلامي لواقع تتجمد فيه المعرفة، وتخلق  البيئات الحاضنة لإستمرار عملية إنتاج العقل القديم، ومنظومة القيم الملاحقة له.

يمكنك أن تروض أعداداً بغسيل الدماغ، والوعود بفرص في قطار السلطة، وتكون سعيدا بقوتك وجبروتك وقدرتك على الحفاظ على الهرم في زمن السحابة.

لكن هذا النجاح في تكوين “ميليشيات الشباب منزوعي العلاقة بزمنهم” سيساهم على العكس في الضعف، لأنهم جنود يحاربون في عالم تتغير فيه العلاقة بالزمن؛ فالأجيال التي انتقلت منزمن الراديو” إلىزمن التليفزيون عاشت انتقالات أفقية خطية تتعلق بسرعة الإيقاع والإنتقال من عصر الزمن المعلب (التسجيلات) إلى العرض على الهواء (البث المباشر) بما في ذلك من تغير في علاقة بالزمن، وتأثيرعلى الوعي بالعالم؛ فالسلطة التي كانت تتحكم في البث المباشر، وتحقن رواياتها في ملايين المشاهدين عبر هذه السلطة، لم يعد لها السيطرة الكاملة في زمن تويتر حيث التفكير الجماعي في نفس اللحظة. كيف ستعثر السلطة على مكانها في هذا التفكير؟ هل ستمنع تويتر كما يمكنها أن تمنع البث أوتشوش على صورته؟ النقل كان يجعل للسلطة تحكم بالزمن، لكن التفكير الجماعي في نفس اللحظة غير موقع السلطة وجعلها مجرد حساب على نفس الشبكة. إلى أين ستذهب هذه التغييرات؟

كيف يمكنك ان تكون زعيما في زمن تفكك الهرم السلطوي إلى نقاط ودوائر و مجموعات. لا شعب ولا حشود وفرق جنود؛ ولكن اصدقاء على صفحتك في الفيسبوك و متابعين على حسابك على “تويتر”؟

كيف ستهيمن –أيها الذكر القوي المنتصر الجبار- على “سحابة” تنفرط بهشاشتها كلما أحكمت القبضة. لتلتئم في مكان آخر وبتشكيل آخر؟