سوزان سونتاج:خطة السفر إلى الصين

أسماء يس ترجمة

غلاف الطبعة الأولى من مجموعة: أنا، إلخ

غلاف الطبعة الأولى من مجموعة: أنا، إلخ

خطة السفر إلى الصين“.. أولى قصص مجموعةأنا، إلخ، التي نشرتها سوزان سونتاج عام 1978، ثم صدرت في طبعات لاحقة وتُرجمتوهذه المجموعة، التي حوت سبع قصص أخرى، هي آخر ما كتبته من أدب. ولأنها كانت مقتنعة أن قتل المشاعر لا يحدث إلا عند المبالغة فيها، أعتقد أن سونتاج في هذه القصة كانت تقتل مشاعرها؛ تجاه أبيها، تجاه م، وتجاه الصين، الحلم القديم والأكاذيب الكبرى والصغرى..

الرحلة بين إعلان سوزان المراهقة؛ في الخامسة عشرةأود أن أنوِّه إلى أنني لن أتهاون مع نفسي، ولن أتنازل عن قادم أيامي..”، وبين اختيارها، أو تسميتها، كأذكى امرأة في الولايات المتحدة في القرن العشرين رحلة مزدحمة، بالكتب والتجارب، والتناقضات إن لزم الأمر.. كانت سونتاج ناقدة وكاتبة وروائية، ومخرجة مسرح؛ أخرجت مثلاً مسرحية بيكيتفي انتظار جودو، وعرضتها على ضوء الشموع في سراييفو، التي كانت محاصرة آنذاك– 1993- بنيران التطهير العرقي الصربية. وكانت ذات نهم شديدلفعل كل شيء، لتذوق كل شيء، لقراءة كل شيءمثلما ذكر ابنها في مقدمة كتابها الذي صدر بعد وفاتها، بثلاث سنوات؛ 2007، بعنوانفي الوقت نفسه“. وضم بعضًا من مقالاتها في الآداب والفن والسياسة..

I

سأذهبُ إلى الصين.

سأمشي على جسر لوهو وأعبر نهر شام تشون بين هونج كونج والصين.

وبعد أن أقضي فترة قصيرة في الصين، سأمشي على جسر لوهو، وأعبر نهر شام تشون بين هونج كونج والصين.

خمسة متغيرات:

جسر لوهو

نهر شام تشون

هونج كونج

الصين

القبعات القماشية

مع الأخذ في الاعتبار بقية التباديل.

لم أذهب إلى الصين قط.

وددتُ دائمًا أن أذهب إلى الصين. دائمًا.

II

هل ستشبع هذه الرحلة شوقي؟

س: [لكسب الوقت] تقصدين الشوق للسفر إلى الصين؟

ج: أي شوق.

نعم.

آثار الشوق.

إنها حياتي كلها!

لا تقلق، العقيدة لا شيء، المعرفة هي كل شيء“. اقتبست هذه الجملة، لكني لن أخبرك من قالها.

إشارات:

كاتب

شخص حكيم

نمساوي (أي يهودي من فيينا)

لاجئ

مات في أمريكا سنة 1951

أنا العقيدة، بينما المعرفة هي الجميع.

آثار المفاهيم

هل مسموح لي بالتلاعب بالكلمات؟

III

مفهوم هذه الرحلة قديم جدًّا

متى كان الحمل الأول؟ بقدر ما أستطيع التذكر

أتحقق من مدى احتمالية أنه حُمَل بي في الصين على الرغم من أني ولدت ونشأت في نيويورك.

اكتب م

تليفون

العلاقة بالصين ما قبل الولادة: ربما أطعمة معينة. لكنني لا أتذكر أن م قالت إنها أحبت الطعام الصيني حقًا.

ألم تقل إنها في مأدبة الجنرال بصقت كل البيض الذي عمره 100 عام في منديلها؟


على أي حال، هو شيء مكون من الأغشية الدموية.

ميرنا لوي من الصين، تورنادوت من الصين، الشقيقتان الجميلتان للمليونير سونج من ويلسيلي وويلسيان، وزوجاهما.

منظر طبيعي لفرس غير أصيل، لخشب الساج، للخيزران، لكلب مقلي.

المبشرون، والمستشارون العسكريون، وتجَّار الفراء في صحراء جوبي، وبينهم أبي شابًا.

الأشكال الصينية التي صُفَّت في أول غرفة معيشة أتذكرها (انتقلنا عندما كنت في نحو السادسة من عمري): موكب أفيال عاجية وأخرى من الكوارتز الوردي، ولوحات طويلة من ورق الأرز، في إطارات مذهبة مكتوب عليها بالحبر الأسود، وتمثال مكلبظ لبوذا تحت أباجورة قوية الضوء من الحرير الوردي. وبوذا آخر؛ عطوف ونحيف، مرسوم على الخزف.

يميز مؤرخو الفن الصيني بين الفخار الصيني والخزف الصيني.

مقتنيات المستعمرين.

استعيدت التذكارات، وتُركت، تحيةً لغرفة معيشة أخرى، في منزل صيني حقيقي لم أره قط. أشياء مبهمة، غير نموذجية. في ذوق مشوَّه (أعرف ذلك الآن فقط). التماسات مرتبكة. كانت هدية عيد الميلاد سوارًا صنع من أنابيب مختلفة الأطوال من اليشم الأخضر المنتهي بالذهب، لم ألبسه قط.

ألوان اليشم:

الأخضر، بدرجاته، وخصوصًا الأخضر الزمردي، والأخضر المزرق.

الأبيض.

الرمادي.

الأصفر.

البني.

المائل للحمرة.

ألوان أخرى.

إحدى القناعات: أن الصين ألهمتني الكذبة الأولى التي تفوهتُ بها؛ عندما التحقتُ بالصف الأول، أخبرتُ زملائي أنني ولدت في الصين. أعتقد أنهم كانوا مندهشين.

أعلم أنني لم أولد في الصين.

الأسباب الأربعة لرغبتي في السفر إلى الصين:

مادي.

رسمي.

فعال.

الاتحاد الدولي للسباحة.

أقدم دولة في العالم: يتطلب الأمر عدة سنوات من الدراسة الشاقة لتعلم لغتها. بلد الخيال العلمي. حيث الجميع يتكلمون بالصوت نفسه. الجميع يتكلمون بصوت ماو تسي تونج.

كصوت مَن يكون صوت الشخص الذي يريد أن يسافر إلى الصين؟ صوت طفل أقل من السادسة.

هل السفر إلى الصين كالسفر إلى القمر؟ سأخبركم عندما أعود.

هل السفر إلى الصين يشبه الولادة من جديد؟

نسيتُ أنني حُمل بي في الصين.

IV

ليس فقط أمي وأبي هم من سافرا إلى الصين قبلي، سافر أيضًا ريتشارد، وبات، نيسكون، ناهيك بماركو بولو وماثيو ريتشي، والأخوان لوميير (أو على الأقل أحدهما)، وتيلارد دي شاردين، وبيرل باك، وبول كلودل، ونورمان بيتون. وفيها وُلد هنري لوس. الجميع يحلمون بالعودة إلى هناك.

هل انتقلت م إلى من كاليفورنيا إلى هاواي قبل ثلاث سنوات لتكون أقرب إلى الصين؟

بعد أن عادت من هناك للمرة الأخيرة، في 1939، اعتادت م أن تقولالأطفال في الصين لا يتكلمون“. لكن قولها إن التجشؤ على المائدة هو نوع من إظهار الامتنان لنعمة الطعام، لا يعني أن أتجشأ أنا أيضًا.

خارج المنزل، بدا مُصدقًا تمامًا ما اخترعتُه عن علاقتي بالصين، أعرف أنني كذبت حين قلت في المدرسة أنني وُلدت في الصين، لكن بالنسبة لكونها جزءًا صغيرًا من كذبة أكثر شمولاً بدت كذبتي مغفورةً نوعًا ما؛ إذ قلتها لمصلحة الكذبة الأكبر، وقد صارت كذبتي نوعًا من الحقيقة.

الشيء المهم كان إقناع زملائي في المدرسة أن الصين موجودة فعلاً.

هل كانت المرة الأولى التي أعلنت فيها كذبتي قبل، أو بعد، أن أعلنت أنني نصف يتيمة؟

كانت هذه حقيقة.

طالما اعتقدت أن: الصين أبعد مكان ممكن أن يسافر إليه إنسان.

هذه حقيقة أيضًا.

عندما كنت في العاشرة حفرتُ حفرة في باحة البيت. وتوقفت عن الحفر عندما أصبح مقاسها ست أقدام في ست أقدام. قال لي عقليما الذي تحاولين فعله؟“.. “تحفرين طريقًا إلى الصين؟“.

لا. كان كل ما أردته مكانًا أجلس فيه؛ وضعتُ ألواحًا خشبية طولها 8 أقدام فوق الحفرة: شمس الصحراء لاهبة، والبيت الذي نعيش فيه وقتها من دور واحد، وفيه أربعة غرف مبنية من الجبس. كانت الأفيال العاجية والكوارتزية قد بيعت في المزاد.

لاجئي.

خليتي.

دراستي.

قبري.

نعم، وددتُ أن أحفر حتى أصل إلى الصين، ثم يحدث انفجار على الناحية الأخرى، فأقفُ على رأسي، وأمشي على يديَّ. ذات يوم جاء مالك البيت، في سيارة ﭽيب، وأخبر أمي أن الحفرة يجب أن تردم في خلال 24 ساعة، لأنها كانت خطرة، وربما يسقط فيها أي شخص يمشي في الباحة ليلاً، وقد أريته كيف كانت الحفرة مغطاة تمامًا بالألواح، الألواح الصلبة، باستثناء مربع صغير عند الناحية الشمالية منها، صغير جدًّا إلى درجة أنني أدخل منه بصعوبة.

على كل حال، من سيعبر الباحة ليلاً؟ ذئب صغير؟ هندي تائه؟ الجار المسلول؟ مالك البيت الغاضب؟

في داخل الحفرة شققت مكانًا في الجدار الشرقي، أشعلت شمعة وجلست على الأرضتساقطت الأوحال من بين الشقوق ودخلت في فمي. كان مكانًا مظلمًا جدًّا للقراءة.

بينما كنت على وشك السقوط، لم يخيفني احتمال أن أسقط فوق سحلية وحش جيلا أو ثعبان متكوم في أرضية الحفرة.

سقطتُ في الحفرة. وساعدتني الخادمة.

بعد ثلاثة أشهر حفرتُ مجددًا. كان الأمر أسهل هذه المرة، لأن الأرض كانت رخوة. تذكرت توم سوير والسياج الذي كان عليه تبييضه، وقد صحبت ثلاثة من أبناء فولر لمساعدتي؛ ووعدتهم أنه سيكون في إمكانهم الجلوس في الحفرة في الوقت الذي لا أستخدمها فيه.

جنوب غرب. جنوب غرب. طفولتي الصحراوية، انعدام التوازن، الجفاف، الحرارة.

كنت أفكر في هذه المعادلات الصينية


المركز هو الأرض، أصفر، يستمر من نهاية الصيف وحتى بداية الخريف، ليس فيه طيور ولا حيوانات.أود أن أكون في المركز.

التعاطف

V

الحكومة الصينية وجهت إليَّ دعوة. أنا ذاهبة إلى الصين.

هل يحب الجميع الصين؟ الجميع.

أشياء صينية:

الطعام الصيني.

المغاسل الصينية.

التعذيب الصيني.

من المؤكد أن الصين أكبر من أن يُلم بها أي أجنبي. لكن معظم الأماكن هكذا.

في الوقت الحالي لا أستعلم عن الثورةالثورة الصينية، لكني أحاول فهم معنى الصبر. والقسوة. والافتراضات الغربية اللانهائية. ربما أبحرَ الضباط المكرمون الذين قادوا الاحتلال البريطاني الفرنسي لبكين سنة 1860 عائدين إلى أوروبا؛ محملين بالصناديق الممتلئة بالتحف الصينية، وكذلك بأحلام العودة إلى الصين مجددًا كخبراء مدنيين.

قصر الصيف،كاتدرائية آسيا” (فيكتور هوجو)، نُهبت وأحرقت.

جوردون الصيني.

الصبر الصيني. مَن يستوعب مَن؟

كان والدي في السادسة عشرة حين سافر إلى الصين للمرة الأولى. أما م فأعتقد أنها كانت في الرابعة والعشرين.

ما أزال حتى الآن أبكي لو رأيت مشهدًا في أي فيلم، يعود فيه الأب يائسًا بعد غياب من سفر طويل، ويحتضن طفله. أو أطفاله.

أول شيء صيني اقتنيته كان زوج أحذية رياضية، مصنوعًا من قماش أبيض في أخضر، وقد كُتب عليهصُنع في الصين، بحروف غائرة في نعلين مطاطين.

بينما كنت في أبريل 1968 أتجوَّل في بنوم بنه بعربة ريكشو، تذكرت صورة التقطت لأبي وهو يركب عربة ريكشو في تيانجين سنة 1931، في الصورة بدا سعيدًا، فتيًّا، خجولاً، ذاهلاً، وهو يحدق للكاميرا.

إنها رحلة إلى تاريخ عائلتي. قيل لي إن الصينين كانوا يسعدون عندما يعرفون أن هناك زائرًا أوروبيًّا أو أمريكيًّا لديه صلات بصين ما قبل الحرب. اعتراض: كان والداي في الجانب الخطأ. وكان الرد الصيني الدبلوماسي الودود أن: كل الأجانب الذين عاشوا في الصين حينها كانوا في الجانب الخطأ.

ظروف الإنسان/بالفرنسية، هي قَدَر الإنسان بالإنجليزية. لست مقتنعة.

طالما أحببت البيض الذي عمره 100عام (بيض بط، يستغرق نحو عامين تقريبًا ليتحول إلى أخضر شفاف رائع له شكل الجبن.

طالما تمنيت أن يكون عمره 100 عام، تخيَّل التغيرات التي أصابته منذ ذلك الوقت).

دائمًا ما أطلبه في مطاعم نيويورك وسان فرانسيسكو، فيستعلم الجرسونات بإنجليزيتهم الضعيفة إن كنت متأكدة مما أطلبه، أؤكد لهم أنني أعرف ما أطلبه، فيذهبون لإحضاره، وعندما يأتون به أُخبر رفاقي أن طعمه لذيذ جدًّا. لكن، في كل مرة، ينتهي بي الأمر وقد أكلت كل الشرائح وحدي. كان كل من أعرفهم يجدون منظره مقززًا.

س: هل جرَّب دايڤيد هذا البيض؟

ج: نعمإرضاءً لي.

الحج

أنا لا أعود إلى مكان ولادتي. بل إلى المكان الذي حُمل بي فيه.

عندما كنت في الرابعة، علمني السيد تشين؛ شريك والدي، كيف آكل بالعيدان. في رحلته الأولى لأمريكا قال إنني أُشبه الصينيين.

الطعام الصيني.

التعذيب الصيني.

الأدب الصيني.

راقبت م باستحسان، كيف أنهم كانوا يعودون معًا على متن القارب.

كانت الصين أشياءً، غيابًا. وكانت م تملك رداءً حريريًّا لامعًا بلون الخردل، كما لو كان لسيدة واقفة تنتظر في ساحة الإمبراطورة داوﭼر.

والانضباط. والصمت.

ماذا كان الجميع يفعلون في الصين كل هذا الوقت؟ أبي وأمي يلعبان دوري جاتسبي العظيم وديزي داخل الوكالة البريطانية. مسيرات محلية مؤيدة لماو تسي تونج، مسيرات، مسيرات، مسيرات، مسيرات في كل المدن. ملايين المواطنين العجاف يدخنون الأفيون، ويجرّون عربات الريكشو، ويتبولون بجوار الأرصفة، تاركين أنفسهم عرضة لتدافع الأجانب وإزعاج الذباب.

مجموعة من البيلاروسيين المُهق، من الصعب تحديد موقعهم، ينعسون حول السماور؛ تمامًا كما تخيلتهم عندما كنت في الخامسة من عمري.

تخيلتُ مجموعة من الملاكمين يستخدمون قفازاتهم الجلدية السميكة لإبعاد الدانات المنطلقة من مدافع كوبر. لا عجب إذن أنهم هُزموا!

أبحثُ في الموسوعة عن صورة كتب تحتها التعليق التاليصورة تذكارية لمجموعة من الغربيين مع جثث الملاكمين المعذبين، هونج هونج، 1899″. في المقدمة صف من الجنود الصينيين مقطوعي الرأس، تدحرجت رؤوسهم بعيدًا. ليس من الواضح طبعًا أي رأس تنتمي لأي جسد. وسبعة رجال بيض يصطفون خلفهم، وينظرون إلى الكاميرا. في المياه الضحلة، وراءهم، ظهرت عدة قوارب صينية تقليدية، وبدا إلى اليسار مدخل القرية، وفي الخلفية جبال غطتها طبقة من الجليد.

الرجال يبتسمون

مما لا شك فيه أن الغربي الثامن، صديقهم، هو من التقط الصورة.

شنجهاي لها رائحة البارود والبخور والروث. في مطلع القرن قال سيناتور أمريكي (من ميزوري): “بعون الله سنطوِّر شنجهاي حتى تصير مثل مدينة كانساس“. في نهاية الثلاثينيات انتزع الجنود الغزاة اليابانيون أحشاء جاموسة وتركوها تئن في شوارع تيانجين.

خارج المدن الموبوءة، هنا وهناك، يجلس حكيم على صدر جبل. الكثير من المناظر الجغرافية الجميلة تفصل بين كل حكيم وبين نظيره. كل الحكماء مسنّون، لكنهم ليسوا جميعًا مشعرين بما يكفي لينمو لهم لحى بيضاء.

أمراء الحروب. مُلاك البيوت. المحظيات. عُمَّال صينيون مهرة. نمور طائرة.

الكلمات هي الصور. مسرح خيال الظل. عاصفة تجتاح آسيا

VI

أنا مهتمة بالحكمة. ومهتمة بالجدران. على أي حال، الصين شهيرة بكليهما.

في الموسوعة العالمية، كُتب عن الصين (المجلد 4، باريس، 1968، ص 306): “في الحوار نحب دائمًا الجمل المختصرةالجمل المقتبسة من الماضيوفقًا للطريقة الصينية وللمنطق الصيني التقليدي“.

تعاش الحياة بالاقتباسات. وفي الصين وصل فن الاقتباس ذروته.

كل المهام لا تتم إلا بالتوجيه.


في الصين هناك عمرها 29 عامًا، رُكِّبت قدمها اليمنى على ساقها اليسرى؛ اسمها تسو وِن شي. بعد أن فقدت ساقها اليمنى وقدمها اليسرى في حادثة قطار وقعت سنة 1972؛ استطاع الأطباء تركيب قدمها اليمنى على ساقها اليسرى، ووفقًا لصحيفة الشعب اليومية؛ أجريت هذه العملية في بكينتحت إشراف قسم الشؤون الصحية التابع للهيئة البروليتارية للرئيس ماو، وطبعًا بفضل التقنيات الجراحية المتقدمة“.

وفي الصحيفة يشرح أحد المقالات لماذا لم تُركَّب قدمها اليسرى على ساقها اليسرى: كانت عظام قدمها اليسرى مهشمة تمامًا، بينما كانت اليمنى سليمة.

لا يُطلب من القارئ أن ينظر إلى الأمر على أنه معجزة؛ فهو ليس معجزة طبية حتى.

أنظر إلى صورة تسو وِن شي، وهي تجلس منتصبة فوق منضدة جراحية مغطاة بأقمشة بيضاء، كانت مبتسمة وهي تشبك يديها على ساقها اليسرى.

كانت قدمها اليمنى كبيرة جدًّا.
اختفى كل الذباب. قُتل في الحملة الكبرى لقتل الذباب.
بعد أن راجع المتعلمون أنفسهم، أُرسلوا إلى الأرياف ليعاد تعليمهم، ثم أُعيدوا مجددًا إلى وظائفهم في شنجهاي وبكين وكانتون.

أصبحت الحكمة أكثر بساطة. أكثر عملية. أكثر أفقية. عظام الحكماء تبيض في كهوف الجبال بينما المدن فارغة. الناس متحمسون لقول الحقيقة. جميعًا.

طالت الأقدام منذ أن تحررت. تعقد النساء اجتماعاتلتتحدثن بمرارةعن الرجال. يقرأ الأطفال قصصًا معادية للإمبريالية. والجنود ينتخبون ضباطهم ويفصلونهم. الأقليات العرقية مُصرح لها، بقدر محدود، من الحفاظ على تقاليدها الفلكلورية. تشو أون لاي ما يزال نحيفًا ووسيما كتايلور باور. لكن ماو تسي تونج أصبح يشبه الآن بوذا المكلبظ تحت الأباجورة. الجميع هادؤون جدًّا.

 

Vii

هناك ثلاثة أشياء وعدتُ نفسي، على مدى عشرين عامًا، أن أفعلها قبل أن أموت:
تسلق جبل ماترهورن.
تعلم العزف على الهارب.
دراسة اللغة الصينية.
ربما لم يفت الأوان بعد لتسلق ماترهورن، (مثلما سبح ماو تسي تونج، الطاعن في السن، لأحد عشر ميلاً في نهر يانجستي). فرئتاي المضطربتان أكثر صلابة اليوم عما كانتا عليه في مراهقتي.

اختفى ريتشار مالوري إلى الأبد، خلف سحابة ضخمة، شوهد مقتربًا من ذروة القمة. لكن والدي، المسلول، لم يعد قط من الصين.

لم أشك قط أنني سأسافر إلى الصين يومًا ما. حتى عندما أصبح السفر صعبًا، بل مستحيلاً، بالنسبة للأمريكيين.
ولأنني كنت واثقة من ذلك، لم أجعله واحدًا من خططي الثلاث.

يلبس دايڤيد  خاتم أبي. كل ما أملكه مما كان ينتمي إلى أبي هو الخاتم، والوشاح الحريري الأبيض، الذي طُرِّز بالحروف الأولى من اسمه بخيط حريري أسود، والمحفظة المصنوعة من جلد الخنزير. لا أعرف كيف كان خط يده، ولا توقيعه، الخاتم المسطح يحمل الحروف الأولى من اسمه أيضًا.

أنا مندهشة أن الخاتم وافق أصبع دايڤيد.

ثمانية متغيرات:
عربة ريكشو.
ابني.
أبي.
خاتم أبي.
الموت.
الصين.
التفاؤل.
السترات الزرقاء.


عدد التباديل هنا مدهش: ملحمي، ومثير للشفقة، ومُوتِّر.

لديَّ كذلك بعض الصور لأبي؛ التقطت كلها قبل ولادتي؛ في عربات ريكشو، وفوق جمل، وعلى متن قارب، وأمام أسوار المدينة المحرمة، وحده، مع عشيقته، مع م، مع شريكيه؛ تشين والبيلاروسي. من الظلم أن يكون لك أب غير مرئي.

س: أليس لدايڤيد أيضًا أب غير مرئي؟
ج: نعم، ولكن والد دايڤيد ليس جثة.
أبي يزداد شبابًا (أنا حتى لا أعرف أين دُفن، وتقول م إنها نسيت أين دُفن).

ربما يتوه هذا الألم الممتد، فقط ربما، في الابتسامة الصينية اللانهائية.

VIII

المكان الأكثر غرابة على الإطلاق.
الصين ليست مكانًا أستطيع أناعلى الأقلالذهاب إليه لمجرد أني قررت ذلك. قرر والداي ألا يصطحابي إلى الصين، فاضطررت إلى انتظار دعوة الحكومة.
حكومة أخرى
وبينما كنت أنتظر الدخول إلى الصين؛ الصين المشهورة بالشعر على هيئة ذيل الحصان وشيانج كاي شيك، أصبت بعدوى التفاؤل الصيني، والمستقبل المشرق، كان هناك كميات لا تحصى من البشر، وسترات زرقاء وقبعات قماشية.

التصور، وما قبل التصور.
ما المفهوم الذي يجب أن أكوِّنه مقدمًا عن هذه الرحلة؟
أهي رحلة للبحث عن تفاهم سياسي؟
– “
ملاحظات نحو تعريف الثورة الثقافية“.


نعم، لكنها ترتكز على تخمينات، وهي كذلك مفعمة بسوء التفاهم؛ لأنني ببساطة لا أفهم اللغة؛ كان عمري ست سنوات حين توفي أبي. لم أتسلق ماترهورن، ولم أتعلم العزف على الهارب، ولم أدرس اللغة الصينية.

أهي رحلة للتخلص من حزن خاص؟

إذا كان الأمر كذلك، فسيكون متعمدًا، لأني أرغب في التوقف عن الحزن. لا يمكن تأجيل الموت أو التفاوض معه أو النقاش معه. لكن مَن يستوعب مَن؟ وقديمًا قال الكاتب الصيني زوما تشينكل الرجال ينبغي أن يموتوا؛ لكن الموت يتنوع في أهميته، ومع أن الموت يصيب جميع الرجال، فربما يكون أثقل من جبل تاي أو أخف من ريشة“.

هذا الاقتباس المختصر المأخوذ من مقولات الرئيس ماو تسي تونج ليس كاملاً، لكنه فقط ما أحتاج إليه الآن.

لاحظ أنه حتى الاقتباس المأخوذ عن الرئيس ماو تسي تونج مأخوذ عن اقتباس آخر.

الجملة المحذوفة من الاقتباس توضح أن المرفوض هو الموت الثقيل، لا الموت الخفيف.

 

لقد مات بعيدًا. هذه زيارتي لموت أبي، جعلت موته ثقيلاً، سوف أدفنه بنفسي.
سأزور مكانًا مختلفًا تمامًا عني. ولا يجب أن أقرر مقدمًا إن كان الماضي أو المستقبل.
ما يجعل الصينيون مختلفين أنهم يعيشون في الماضي وفي المستقبل.

افتراضيًّا، أعطاني الأشخاص المميزون انطباعًا بأنهم ينتمون إلى عصر آخر (إما في الماضي، أو ببساطة، في المستقبل). لا أحد من المميزين بدا وكأنه معاصر تمامًا. الأشخاص المعاصرون شبحيون:
إنهم غير مرئيين على الإطلاق.
المُثل العليا إرث من الماضي، المُثل العليا تحكم المدى إلى المستقبل.
نحن مترددون، حذرون، يائسون. يا له من مَعْبر وعر هذا الحاضر!
كم من الرحلاتكم من الرحلات يتحتم علينا القيام بها كي لا نكون فارغين، وغير مرئيين!

IX
في رواية جاتسبي العظيم، ص 2 “عندما عدتُ من الشرق في الخريف الماضي، شعرت أنني أريد أن يكون العالم منسجمًا إلى الأبد، وفي حالة من الانتباه الأخلاقي، لم أعد أرغب في المزيد من الرحلات الصاخبة التي تحتوي على امتياز اختلاس النظر إلى أعماق قلب الإنسان“. هذا شرق آخر، لكن بغض النظر، الاقتباس مناسب.
فيتزجيرالد كان يقصد نيويورك لا الصين.
-(
يجب أن يقال الكثير عناكتشاف الوظيفة الحديثة للاقتباساتالذي نقلته حنا أرندت عن والتر بنيامين في مقالها المعنونوالتر بينامين“.
حقائق:
كاتب.
شخص عبقري.
ألماني [من يهود برلين].
لاجئ.
توفيَّ على الحدود الفرنسية الإسبانية سنة 1940.

بالإضافة إلى بنيامين، هناك أيضًا ماو تسي تونج وجودار).


عندما عدت من الشرق في الخريف الماضي شعرت أنني أريد أن يكون العالم…”.
لم لا يتوقف العالم عن الانتباه الأخلاقي. الفقراء. العالم المسحوق.

النصف الأول من الاقتباس الثاني مأخوذ من حكيم لاجئ يهودي نمساوي مات في أمريكابعد أن أصبح الإنسان مشكلة عصرنا، تلاشت مشكلات الفرد، بل ومُنعت وصارت محظورة أخلاقيًّا“.

لا أخشى أن أصير بسيطة بالسفر إلى الصين، الحقيقة بسيطة.

سيصحبوني لرؤية المدارس والمصانع والمزارع والمتاحف والمستشفيات والسدود، سيكون هناك ولائم وباليه، لن أكون بمفردي أبدًا. سوف أبتسم كثيرًا (على الرغم من أني لا أفهم اللغة الصينية).

النصف الثاني من الاقتباس المُجهلستصبح المشكلات الشخصية للفرد مثار ضحك الآلهة، وهم على حق في افتقادهم الرحمة…”.
وكما يقول الرئيس ماو، سيد المُثل الأخلاقيةحارب الفردية“.

زمان، كانت الصين تعني الدقة القصوى: في الفخار والقسوة والفلك والطعام والإيروتيكا ورسم المناظر الطبيعية وفي علاقة الفكر بالحرف المكتوب. أما الآن فالصين تعني البساطة اللانهائية.


ما لم يثبطني، هو تخيلي عشية سفري إلى الصين، كل هذا الحديث عن الخير. لا أعلن عن المخاوف التي أكتشفها في كل من يبدون خيرين جدًّا ممن أعرفهم.
كما لو كان الخير يجلب معه فقدان الطاقة والفردانية.
وفي الرجال، فقدان الرجولة.

الرجال اللطفاء يموتون في النهايةقول أمريكي.

ليس صعبًا على المرء أن يفعل القليل من الخير، الصعب أن يفعل الإنسان الخير طول حياته، ولا يفعل شيئًا سيئًا” (اقتباسات الرئيس ماو تسي تونج، طبعة بانتام، ص 141).

عالم مليء بالعمال المضطهدين، بالمحظيات، بملَّاك البيوت القساة، بالموظفين المتعجرفين، بالأذرع المعقودة على الصدور، بالأظافر الطويلة المختبئة داخل أكمام ثيابهم الواسعة، الجميع يتحوَّلون، سلميًّا، إلى فتيات وفتيان رائعين في الكشافة. بينما يرتفع النجم الأحمر في الأفق الصيني.

لماذا لا تريد أن تكون طيبًا؟

لكن لكي تكون طيبًا عليك أن تكون أكثر بساطة، أكثر بساطة، كما لو كنت تعود إلى أصلك. أكثر بساطة كما في نسيان عظيم.

X
زمان، غادرا الصين لرؤية طفلهما (أو أطفالهما)، اتخذ أبي وم القطار، على متن السكك الحديدية السيبيرية، حيث لم يكن هناك مطعم، فكانا يطهوان الطعام على موقد صغير، ولما كان تدخين سيجارة واحدة كفيل بإصابة أبي بنوبة ربو، كانت م، المدخنة، تقضي الكثير من الوقت في الممر.
أنا أتخيَّل هذا، لم تخبرني هي بذلك، كما سيحدث في القصة التالية.

بعد عبورهما روسيا الستالينية؛ أرادت م الخروج من القطار، حين توقف في باليستوك، حيث ولدت أمها، التي توفيت في لوس أنجلوس حين كانت في الرابعة عشرة. لكن في الثلاثينيات كانت العربات التي يركبها للأجانب موصدة.
ظل القطار لعدة ساعات في المحطة

تدافعت النسوة العجائز نحو النوافذ المتجمدة للقطار، آملات أن يبعنهم البرتقال ومشروب الكاڤاس الفاتر.
بكت م.
أرادت أن تشعر بالأرض التي شهدت ميلاد أمها تحت قدميها. ولو لمرة واحدة.
لم يُسمح لها بذلك (وقد حُذرت أنه سيُقبض عليها إن أعادت طلبها بالخروج من القطار ولو لدقيقة واحدة).
بكت.
لم تخبرني أنها بكتْ. لكني أعلم أنها بكتْ. أنا أشعر بها.

التعاطف، إرث الخسارة، نساء يجتمعن معًا ليتحدثن بمرارة، كنت ممرورة.

لماذا لا تريد أن تكون طيبًا؟ تغيير القلب. (القلب، المكان الأكثر غرابة على الإطلاق).

إذا سامحتُ م، سأُحرر نفسي. إنها، بعد كل هذه السنوات، لم تسامح أمها على موتها. سأسامح أبي على موته.

هل على دايڤيد  أن يسامح أباه؟ (ليس على موته) عليه أن يقرر علام سيسامحه.

مشكلات الفرد تخفت وتتلاشى..”

 

XI
في مكان ما، مكان ما بداخلي، أشعر أنني منعزلة، كنت دائمًامنعزلة جزئيًّا، دائمًا.
انعزال شرقي؟
فخر؟
خوف من الألم؟

مع الاحترام للألم، كنتُ عبقرية.

بعد عودة م من الصين في أوائل 1939، تطلَّب الأمر عدة أشهر كي تخبرني أن أبي لن يعود، كنت تقريبًا في الصف الأول، ويعتقد زملائي أنني ولدت في الصين. عندما استدعتني إلى غرفة المعيشة، شعرت أن الأمر جلل.
أينما التفتت، وأنا أجلس على الكنبة المطرزة، شتت تفكيري أحد تماثيل بوذا المنتشرة.
كانت مُقتضبة للغاية.
لم أبكِ كثيرًا. كنت مشغولة بالتفكير في كيفية نقل هذه الحقيقة الجديدة إلى أصدقائي.
تُركتُ لألعب.
لم أكن أعتقد حقًّا أن أبي مات.


عزيزتي م، لا أستطيع الكلام في التليفون، أنا في السادسة من عمري، وحزني يتساقط كقطع من الثلج على أرض لامبالاتك الدافئة. أنتِ تتنفسين حزنك الخاص.

الحزن يُنضج، رئتاي تضطربان، إرادتي تصبح أقوى. ذهبنا إلى الصحراء.

من رواية البوتوماك لجان كوكتو (طبعة 1919، ص 66): “في مدينة تيانجين، كانت هناك فراشة“.

بشكل ما، تُرك والدي وحده في مدينة تيانجين. تصبح حقيقة أن حُمل بي في الصين أكثر أهمية.

يبدو أن السفر إلى هناك يصبح أكثر أهمية الآن. ويضاعف التاريخ الآن أسبابي الشخصية الفردية. يحوّلها، يزيحها، يهلكها. بفضل جهود أعظم شخصية تاريخية منذ نابليون.

لا تضعف. الألم ليس محتومًا. وفقًا للعلم الجذل، يقول ماوكونوا متحدين، حذرين، يقظين، نشطين، جديين” (المرجع السابق، ص. 81).

ماذا تعنيكُن يقظًا؟ هل تعني أن كل شخص يقظ داخل نفسه. يتجنب الأزيز الجماعي؟
جيد جدًا، باستثناء خطر تراكم الكثير من الحقائق.  
أفكر في الخطر الناتج عن جملةكونوا متحدين“. مقدار اليقظة يساوي مقدار ألا تكون كسولاً، يتجنب الروتين. كُن حذرًا.

الحقيقة بسيطة. بسيطة جدًّا، ومركزية، لكن الناس ينشدون غذاءً آخر بالإضافة إليها. تشوهها المتميز في الفلسفة والآداب على سبيل المثال.

أنا أحترم رغباتي. وأفقد الصبر حيالها.

الأدب هو نفاد الصبر تجاه جانب معين من المعرفة” (الاقتباس الثالث والأخير عن حكيم يهودي نمساوي مات لاجئًا في أمريكا).

الآن معي تأشيرتي، لا أستطيع الانتظار حتى موعد السفر إلى الصين.

هل سيستوقفني صراع مع الأدب؟

وفقًا لمحاضرة ماو في إينان، وف يأماكن أخرى، فإن هذا الصراع لن يوجد لو خدم الأدب الشعب.

لكننا محكومون بالكلمات (الأدب يخبرنا بما يحدث للكلمات). ولمزيد من الدقة نحن محكومون بالاقتباسات، ليس فقط في الصين، ولكن في كل مكان، الكثير من أجل نقل الماضي، تفكيك الجمل، جمل مفككة، وذكريات مبعثرة.
عندما تتحول ذكرياتي إلى شعارات، أتوقف عن احتياجها، وعن تصديقها.
كذبة أخرى؟
حقيقة مُغْفَلة؟
الموت لا يموت، ومشكلات الأدب لا تتلاشى.

XII

بعد عبور جسر لوهو الممتد فوق نهر شام تشون بين هونج كونج والصين، سآخذ القطار إلى كانتون.
وحتى ذلك الحين أنا بين يدي لجنة، مُضيفي، الكريم البيروقراطي فيرݘيل. إنهم يتحكمون في مسار الرحلة، ويعرفون ماذا يريدون أن أراه، ويعرفون الأشياء المناسب أن أراها، وأنا لا أجادلهم. لكن إذا طُلبت اقتراحاتي فسأقترح: الأفضل أن نذهب إلى أقصى الشمال. يجب أن أقترب.

أنا أكره البرد، لقد جعلتْ مني طفولتي الصحراوية عاشقة عنيدة للحرارة. للأجواء المدارية والصحراء، لكني في هذه الرحلة على استعداد لتحمل الحد الأقصى من البرد، إذا لزم الأمر.

الصين فيها صحارى باردة، مثل صحراء جوبي.

رحلة أسطورية


قبل أن يصير الظلم والمسؤولية بهذا الوضوح، كانت الرحلات الأسطورية تقصد أماكن خارج التاريخ، الجحيم على سبيل المثال؛ أرض الموتى.

الآن مثل هذه الرحلات محاطة بالتاريخ تمامًا؛ رحلات أسطورية تقصد أماكن جعلها تاريخ بعض الشعوب الحقيقية مقدسة، عبر تاريخها الشخصي.

النتيجة الحتمية هي الأدب. أكثر مما هي المعرفة.

السفر تراكم، ومع ذلك، فاستعمار الروح، أي روح، أمر حسن النية.
_
على الرغم من الحشمة، ما أزال عازمة على أن أكون طيبة.

على الحدود بين الأدب والمعرفة، تنكسر أوركسترا الروح إلى تسلل مدوٍ. يتعثر المسافر، يتلعثم، يرتجف.

لا تقلق. لا تتطلب مواصلة الرحلة، الاستعمارية أو الأصلية، أي براعة.

السفر فك للشيفرات. السفر عبء كبير. آخذ معي حقيبة صغيرة، لا آخذ آلة كاتبة ولا كاميرا ولا آلة تسجيل. آمل أن أتمكن من مقاومة الرغبة في اقتناء أشياء صينية، مهما كان شكلها، أو أي تذكارات، مهما كانت الذكريات، خصوصًا وأن لديَّ الكثير منها في عقلي.

كم كنتُ متعجلة على السفر إلى الصين، وحتى قبل أن أذهب، فقد قام جزء مني برحلة طويلة، أوصلني إلى حدودها، وسافر عبر البلاد ثم عاد ثانية.

بعد أن أعبر نهر لوهو على نهر شامتشون بين الصين وهونجكونج، سآخذ الطائرة إلى هونولولو.
حيث لم أذهب قط، أيضًا.
سأتوقف لبضعة أيام. أنا مجهدة للغاية بسبب الأدب غير الموجود، والرسائل غير المكتوبة، والمكالمات التليفونية التي لم تجر بيني وبين م.

وبعد ذلك سآخذ طائرة أخرى، إلى مكان يمكنني أن أكون فيه بمفردي، أو على الأقل محمية من الأزيز الجماعي. وحتى من دموع الأشياء التي تذرفسواء في راحة أو لامبالاةفي شفقة لانهائية على الذات في قلب الفرد.

XIII

سأعبر جسر شام تشون في كلا الاتجاهين.
وبعد ذلك؟ لن يفاجأ أحد. ثم يأتي الأدب.
نفاد صبر المعرفة.
ضبط النفس
نفاد الصبر على ضبط النفس

سأوافق مسرورة على الصمت، لكن عندها، ويا للأسف، لن يكون في الإمكان أن أعرف شيئًا. لهجر الأدب يجب أن أكون متأكدة تمامًا من أني أعرف. من شأن اليقين أن يثبت جهلي التام.

ليكن الأدب إذن، الأدب من قبل ومن بعد، إذا لزم الأمر. وهو ما لن يعفيني من متطلبات اللباقة والتواضع اللازمين لهذه الرحلة المخطط لها بدقة. أخشى من خيانة الكثير من الادعاءات المتناقضة.

الحل الوحيد: أن تعرف وألا تعرف. الأدب، وليس الأدب. استخدام الإشارات اللفظية نفسها.

عند الرومانسيين في القرن الماضي، ساد الاعتقاد أن الرحلة لا بد وأن ينتج عنها كتاب، كان أحدهم يسافر إلى روما، وإلى أثينا، وإلى القدس، وربما إلى أبعد من ذلك، فقط لكي يكتب عن ذلك.

ربما سأكتب كتابًا عن رحلتي إلى الصين قبل أن أسافر إليها.


**تشير  سوزان سونتاج طول القصة إلى أمها، ميلدريد، بالحرف م.