افتتاحية: ماذا فعلت بنا “الذكورة الجريحة”؟

“برضو باحبك يا وحش”.. هكذا تصرخ الفاتنة “البلدي” مبتهجة بعد أن يصفعها الوحش صفعة تسقطها على الأرض.
تخيَّل هذا المشهد مع كلمة النهاية وآلاف من الرجال والنساء ينظرون إليه.. هل سيمثل هذا المشهد غرابة من أي نوع بالنسبة للجمهور، أم أنه يدخل في اللاوعي كمشهد واقعي أكثر من الواقع نفسه.. الواقع كما تتخيله “الذكورة”.. هل قلت الذكورة؟ من فرط سيطرتها على العقل والعواطف لم يعد هناك فرق بين “الواقع” الذي نعيشه و”الواقع” كما تريده الذكورية.. لم ندرك أن ما نعيشه هو عصر “الذكورية” الطويل الممتد؛ إذ انتصرت أفكار النظام الأبوي أو “البطريركية” أو سيادة الذكر القوي، أو غيرها من مسميات تصيب المؤمنين بها بالجروح والآلام؛ فهم أول من يعانون من تحقيق “نموذج” مستحيل يعتمد على قوة خارقة تريد أن تثبت أنها صنعت العالم وحدها بقوتها، وأنها فطرة” الخلق” كما تتصورها الأديان، وأصل الطبيعة كما يقول الكون.
هذه مزحة جارحة صدقتها البشرية، ووقعت في أسرها عصرًا ممتدًا وصلنا فيه إلى لحظة لا تحتمل.. تخيَّل مزحة صنعت كل هذه الآلام، من الذي يصدق أن الحضارات قامت بفعل قوة مفرطة لأحد عناصرها: الذكر، وبفضل نظامه الأبوي.. لم يصدقها البشر فقط هذه المزحة، بل اعتبروها “كلمة من الله” و”شفرة من الكون”، أي أنها أصبحت القدر والفطرة والمصير الذي يعتبر الخروج عنه “كفرًا” أو”فوضى”، وبعدها تكون “الدنيا باظت”. فلا يفكر ملايين المؤمنين بقدرية وإلهية “النظام الأبوي” وذكورته الجريحة فيمن يملك منطق التفكير الذي يرى أن أساس التدهور والسقوط و”الدنيا اللي باظت” هو النظام نفسه الذي لم يعد صالحًا.. أي لم يعد يحقق مصالح البشر، لم يعد قادرًا على إقامة التوازن الذي صنعه بين الظلم والإنجاز، القسوة والتقدم، الحضارة والاضطهاد.. لقد انتهت صلاحيته، وأصبح فارغًا من كل ما يمكن البناء عليه.
وهذا ليس مجرد “خطأ في المنطق” أو تجاهل له.. إنه تاريخ معقد من خطة السيطرة والسيادة، دفعت العالم إلى هذا المصير المرهون بالسلطة الأبوية، التي كانت تتنامى كما تتدحرج الكرات الثقيلة، ولم يكن من الممكن إيقاف التدحرج لأن “الحياة لا بد أن تستمر” ولا بد أن “يكتمل العمل”، فلسنا في رفاهية مناقشة “المسلمات”..
هكذا أصبحت المزحة مسلمات (يسلم العقل بصحتها دون حق التفكير بها)، وهذا هو الانتصار الكبير لرواية الذكورية عن نفسها، تلك الرواية التي تصيب المؤمنين بها بالجروح الغائرة من فرط التسليم بها؛ جروح عدم القدرة على التوافق مع الصور والقيم والبطولة والمطلوب من الذكر الحامي. وقد احتاجت الذكورة لاختراع الأبطال، والسوبر أبطال، كي تملأ الفراغ الذي أحدثته جروحها، بل وأصبح الحفاظ على مقام السيطرة للذكورة هدفًا في حد ذاته، بل هو الهدف الواحد والوحيد الذي يقود العالم إلى كارثة، أو إلى الكارثة.

هذه افتتاحية رحلة أدعوكم إليها لنكشف الغطاء عن الذكورية الجريحة، التي ترتكب تحت عنوانها جرائم كبرى، تحمل أسماء فيها رنة “الرسائل النبيلة”، مثل “القيم الأصيلة” وجوهر الكون الذي “يجعل الأرض تدور والسماء تقام دون أعمدة”، والعنوان الأخير الذي عرفناه “قيم الأسرة المصرية”. رحلتنا ثقيلة واخترت أن تكون عبر أشكال مختلفة من شذرات السيرة الشخصية وأفكار حول صناعة الصور وتجارب في مسيرتنا لتأسيس عصر فيكتوري مصري.. الرحلة بدأت ولا أعرف كيف ستنتهي؟!