سعاد مكاوي

سعاد مكاوي: مطربة الألوان

1

اعتادت الطفلة الصغيرة سعادمولودة في العشرينيات من القرن المنصرم في منطقة «باب الخلق» بالقاهرةأن ترافق والدها محمد مكاوي عازف القانون الشهير في الحفلات التي كان يقيمها رجال الفن والموسيقى. وقد بدأت حياتها بالتعلم في مدرسة «السعادة» الابتدائية. وفي إحدى المرات خلال حفل زفاف نجلة المخرج السينمائي سيد زيادة أعجب الحاضرون بصوتها بعدما أدت أغنيات خفيفة وكان من بينهم الراقصة الشهيرة ببا عز الدين. وعرضت الأخيرة على والدها أن تعمل ابنته معها في كازينو «الكوبري». فكانت الطفلة تؤدي بين الفواصل الاستعراضية بعض أغنيات المطربة المحبوبة ليلى مراد قبل أن تغني أغنياتها الخاصة فيما بعد. وبعد ذلك عملت في مسرح علي الكسار ومسرح حامد مرسي وزجته عقيلة راتب مقابل ريال فضة في اليوم. وجاءتها الفرصة الذهبية عندما دخلت السينما عن طريق فيلم «الكنز المفقود» عام 1938 من بطولة وإخراج بدر وإبراهيم لاما، وذلك قبل أن تدخل الإذاعة للمرة الأولى بعد أن اختبرتها لجنة مكونة من حافظ عبد الوهاب وعبد الوهاب يوسف وبابا شارو ومدحت عاصم. وكانت من أولى أغنياتها في الإذاعة المصرية «مالي بيه» من ألحان علي فراج عام 1948، وهي الأغنية ذاتها التي استعادها الناس بعد ذلك بصوت المطرب محمد قنديل. وقد سجلت للإذاعة أوبريت بعنوان «بالومة» من ألحان محمود الشريف وبمشاركة أكثر من أربعين عازف من بينهم أحمد الحفناوي وإبراهيم حجاج (محمود مطر: سعاد مكاوي: اعتزلت الوسط الفني ولم أعتزل الغناء، الإذاعة والتليفزيون، 9/10/1999، ص 32). على أن هذا الأوبريت لم يكن الوحيد الذي قدمته سعاد في الإذاعة، بل قدمت مجموعة متنوعة من الأوبريتات والصور الغنائية المتميزة، منها أوبريت «يا سيد» من كلمات إمام الصفطاوي وألحان سيد إسماعيل وتأليف كمال ياسين وإخراج محمد توفيق. وكذلك الأوبريت الرائع «رُمان الجناين» من تأليف محمد علي أحمد وألحان محمد الموجي وإخراج محمد توفيق بمشاركة المطرب محمد قنديل. وهناك أيضًا أوبريت «دولة الحظ» من كلمات أمين صدقي وألحان زكريا أحمد وإبراهيم فوزي وإخراج محمود يوسف. ولها أيضًا أوبريت «عواد باع أرضه» من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان كمال الطويل وإخراج أنور المشري بمشاركة سيد إسماعيل. وكما برعت في غناء الأوبريتات لمعت في أداء الصور الغنائية في الإذاعة وسجلت العديد من تلك الصور. ومن بين هذه الصور الغنائية «الدندورمة» من كلمات محمد متولي وألحان عزت الجاهلي وإخراج محمد محمود شعبان (بابا شارو). وكذلك «خيرات رمضان» من كلمات محمد إسماعيل جاد وألحان سيد إسماعيل وهناك أيضًا «قصة الأجيال» من كلمات محمد حلاوة وألحان علي إسماعيل ولا ننسى «مكسب حلال» من كلمات محمود إسماعيل وألحان عبد الحليم علي وإخراج صلاح بيومي و«في دكان بقال» من كلمات محمد علي أحمد وألحان سيد مكاوي وتوزيع أبوزيد حسن.

2

اشتهرت سعاد بالأغنيات الرشيقة التي تقدمها على مسارح المنوعات في القاهرة من ألحان محمد عطية ووالدها محمد مكاوي. فقد وقع اختيار المخرج والفنان أحمد سالم عليها لتشارك في فيلم «الماضي المجهول» مع مطربتها المفضلة ليلى مراد عام 1946. وشاركت ليلى مراد في أداء أغنية «سلم عليّ» من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان عبد الحليم نويرة التي صاغها من روح الفلكلور الشعبي الأصيل (محمد سعيد: أشهر مائة في الغناء العربي: الكتاب الثاني التنوع في الزمن الذهبي، الطبعة الأولى، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2005، ص 177). هذا النجاح السينمائي دفع مسؤول البرامج الغنائية في الإذاعة آنذاك أن يجعلها تشارك في الأوبريت الغنائي «الليالي الملاح» من ألحان الموسيقار داود حسني، قبل أن يخطو المخرج عباس كامل خطوة جريئة في دفعها للمشاركة ضمن فيلم «صاحب بالين» عام 1946 من بطولة سراج منير وميمي شكيب. وشاركت بعدها ضمن مجموعة من الأعمال السينمائية التي وصل عددها إلى سبعين عملًا منها «الخمسة جنيه» عام 1946 و

سعاد مكاوي، مجلة فن

سعاد مكاوي، مجلة فن

«ابن عنتر» عام 1947 و«بنت المعلم» عام 1947. وفي العام التالي شاركت في عملين «نحو المجد» و«البوسطجي» و«شمشون الجبار» قبل أن تشارك في عملين رائعين هما «أوعى المحفظة» و«منديل الحلو» عام 1949 ولعل الكثيرين يتذكرون ديالوج «الطربوش» و«وحدي يا عين» وهما من كلمات فتحي قورة وألحان عبد العزيز محمود. ولها أيضًا في العام ذاته فيلم «كلام الناس» و«حدوة الحصان» و«ست البيت» الذي غنت فيه ديالوج «أنت يا أنت» من كلمات حسن الإمام وألحان عزت الجاهلي مع الفنان محمود شكوكو. وفي عام 1950 شاركت في أفلام «أسمر وجميل» و«عيني بترف» و«مكتب الغرام» والفيلم المتميز «المليونير» الذي غنت فيه ديالوج «عايز أروح» من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان عزت الجاهلي و«جارم جارم» من كلمات فتحي قورة وألحان محمد البكار. وفي العام التالي شاركت فيما يقرب من خمسة أعمال سينمائية منها «خد الجميل» و«جزيرة الأحلام» و«المعلم بلبل» أما في فيلم «بلد المحبوب» فقد غنت أغنيتها الأشهر «قالوا البياض أحلى ولا السمار أحلى» من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان محمد عبد الوهاب. وشاركت أيضًا في فيلم «خبر أبيض» مع كوكبة من نجوم الغناء الشعبي أمثال كارم محمود وعزيز عثمان ومحمد عبد المطلب. وفي عام 1952 شاركت في فيلم «حضرة المحترم» قبل أن تشارك في بطولة أربعة أفلام في العام التالي «أنا ذنبي إيه» و«لسانك حصانك» و«مجلس الإدارة» و«المقدر والمكتوب» و«مجلس الإدارة» قبل أن تشارك في فيلم «عروسة المولد» عام 1954 و«قلوب الناس» الذي غنت فيه أغنيتها الساحرة «لما رمتنا العين» من كلمات محمد حلاوة وألحان محمود الشريف. وهناك أيضًا فيلم «الأرض الطيبة» و«تار بايت» عام 1955 قبل أن تشارك في واحد من أجمل أفلام السينما المصرية «نهارك سعيد» مع الفنان منير مراد. وشاركت في الفيلم الكوميدي الشعبي «إسماعيل يس للبيع» قبل ظهورها الأخير سينمائيًّا في فيلم «غازية من سنباط» عام 1967 من بطولة محمد عوض وأمين الهنيدي وشريفة فاضل وإخراج السيد زيادة. وبطبيعة الحال ليست هذه كل الأفلام السينمائية التي شاركت فيها سعاد مكاوي بل أبرز المحطات الأساسية في حياتها الفنية. وتزوجت سعاد مكاوي من عباس كامل في بداية حياتها الفنية بعد قصة حب قوية، لكن هذا الزواج لم يدم طويلًا فقد حدث الانفصال بعد عدّة مشكلات بينهما. ومع بداية الستينيات تزوجت من الملحن محمد الموجي، لكن هذا الزواج أيضًا لم يدم طويلًا، قبل أن تتزوج للمرة الأخيرة من الدكتور الموسيقي محمود إسماعيل الذي كان يصغرها بخمسة عشرة عامًا، وقد شعرت بوحدة شديدة عقب وفاته. وبدأ وزنها ينقص حتى دخلت في احتجاب شبه كلي عن الفن والمجتمع.

3

وفي منتصف التسعينيات حاولت سعاد العودة إلى الساحة الفنية مجددًا لكن هذه العودة لم تستقبل بالترحيب الكافي فآثرت العودة مرة أخرى إلى عزلتها والابتعاد تمامًا عن أضواء المجد والشهرة. وشهدت هذه الفترة تعاونها مع جيل آخر من الملحنين الذين وضعوا بصمات خاصة في تيار

سعاد مكاوي على غلاف مجلة الكواكب، 1954

سعاد مكاوي على غلاف مجلة الكواكب، 1954

الأغنية الجديدة السائد حينها. ومن ضمن تلك الأغنيات «أكبر من النسيان» من ألحان حسن أبوزيد و«يعجبني حبيبي» من ألحان محمد غنيم و«برتاح لك» من ألحان خالد الأمير و«ع الربابة» من ألحان إبراهيم رأفت وديالوج «يا موج البحر» مع المطرب السوداني إبراهيم الكابلي. وعندما سُئلت سعاد عن عودتها مجددًا إلى الساحة الفنية قالت: «اتصل بي وجدي الحكيم وهو صديق قديم ليخبرني بأنه قد وقع الاختيار عليَّ للمشاركة في حفل عيد الإعلاميين وعرض عليَّ أن أغني أغنية عاطفية جديدة ولكنني قلت كيف بعد هذه الغيبة أعود بأغنية عاطفية ولم أتحمس كثيرًا وكدت أعتذر ولكنني أبديت لوجدي رغبتي في أن أتعامل مع ملحن شاب فكان خليل مصطفى الذي أخذ كلمات الأغنية وكان رأيه أن أغني حاجة مختلفة وطلب من مؤلف شاب صديقه أن يكتب لي أغنية تناسب عودتي للغناء بعد فترة غياب فكانت هذه الأغنية التي طرت فرحًا بكلماتها. حفظتها في يوم فقد شعرت أنها عبرت عني تمامًا وأنني لو كنت مؤلفة لنفسي ما كتبت أفضل من هذه الكلمات» وتابعت في موضع آخر: «قبل رفع الستار كنت أشعر بأنني سأقع من طولي، وكانت تقف بجواري الإذاعية هالة الحديدي التي قدمتني إلى الجمهور بشكل جيد وكانت تشجعني قبل الظهور على المسرح وقالت لوجدي الحكيم: «هذا الحفل هو حفل سعاد مكاوي» هي صديقة عزيزة جدًا أزالت قدرًا من الرهبة عندي لدرجة أنني نسيت استقبال الجمهور لي. كان استقبالًا لم أتوقعه وظللت أصلي حتى الصباح بعد نهاية الحفل ورد فعل الجمهور أسعدني» (أ.د: سعاد مكاوي العائدة بعد غياب تقول: المطربون والمطربات الكبار لا يتسولون ويجب أن يسعى إليهم المسئولون! الكواكب، 9/7/1991). وهذه الأغنية التي عادت بها سعاد بعد فترة غياب عرفت باسم «جاية بأشواق». وعادت للغناء مجددًا في حفل أضواء المدينة بناء على دعوة حمدي الكنيسي لكن الدعوة لم توجه إليها مرة أخرى بعدها

كانت تربطها صداقة كبيرة بكل من إسماعيل يس ومحمود شكوكو، لكن الصديقة الأقرب إلى قلبها كانت الفنانة نعيمة عاكف، حيث اكتشفت فيها سعاد راقصة موهبة وفنانة شاملة فقدمتها إلى الراقصة ببا عز الدين التي عملت على تدريبها وإسناد بعض الاستعراضات لها. وفي أحد الأيام تعرف إليها شقيق زوج سعاد المخرج حسين فوزي الذي أسند إليها دور البطولة في فيلم «العيش والملح» قبل أن تتزوج منه ويسكنا معًا في فيلا بمنطقة الدقي. وظلت هذه الصداقة قائمة بينهما إلى أن رحلت نعيمة عن الحياة بعد أن تركت ابنها محمد من زوجها الثاني المحاسب صلاح عبد العليم الذي تزوجت منه عقب انفصالها عن حسين فوزي. وقد تركت سعاد سجلًا فنيًّا ضخمًا تنوع بين السينما والإذاعة. وأنتجت لها شركة «صوت القاهرة» في منتصف الثمانينيات شريطي كاسيت يضم كل منهما ثماني أغنيات (م.ا: سعاد مكاوي: الفنان إنسان حساس جدًا.. ويعز عليه أن يتسول العمل! الكواكب، 29/1/1991، ص 29). وفي عام 1999 ضمن الدورة الثامنة لمهرجان الموسيقى العربية بالقاهرة كُرمت سعاد عن عطائها الفني الممتد. وبعد هذه المسيرة الحافلة ودعت الحياة وحيدة في منزلها عقب هبوط حاد في الدورة الدموية، وشيعت جنازتها عقب صلاة العصر وأقيم العزاء بدار المناسبات بشارع طلعت القواسمي بمنطقة باب الخلق بالقاهرة. وقد أعلنت الإذاعة المصرية تخصيص يومًا كاملًا لإذاعة أغنيات المطربة الراحلة. وبرحيل سعاد مكاوي في 20 يناير عام 2008 طُويت صفحة أخرى من صفحات نجمات السينما والغناء في الوطن العربي (مها حسين: وفاة سعاد مكاوي عن 70 عاما، الشرق الأوسط، 21/1/2008).