“روسيا 2018: سحرة وشياطين في “مدينة العالم

لم تكن غرف الفنادق كافية. ففتحت المنازل الصغيرة أبوابها في 11 مدينة روسية. والمدن، كما هي العادة، تتغير مع كل مونديال. منذ أن كان الملعب يبدو كما وأنه بقعة في شوارع جانبية، إلى أن أصبح مدينة داخل المدينة. يدخل المتفرجون من أبوابها ليصبحوا جزءًا من العرض. الجمهور هو آخر ما تبقى من عالم المتعة، وأول هدف في عالم الصناعة. تلك الرحلة التي يراها كاتب أورجواي الشهير إدواردو جاليانورحلة حزينةدون أن يشير إلى طريق لا تدفن فيه المتعة في متاحف البدائية. ولكي يبقى للشوارع سحرها بجوار المدارس الكروية والمسارات المعتمدة.

هل تعرف أنك إن نقلت مكان إقامتك إلى أيسلندا  لن تذهب إلى موعد طبيب الأسنان هيمير هالجريمسون، لأنه مشغول بتدريب منتخب البلاد التي تثير المفاجآت، فهي داخل اللعبة وخارجها. اللاعبون يتركون أماكنهم فارغة في عيادات الأطباء، ومكاتب الجمارك، ومصانع التعليب، وأماكن التصوير السينمائي، ليحصلوا على عطلات من أجل بطولة الجري وراء قطعة الجلد الساحرة.

الجمهور هارب من المدن وراء ذلك السحرالقديم. ولكي يحدث ذلك لا بد أن تتسع ماكينات المدن لتستوعب كل هؤلاء الهاربين في لقاء أممي يتكرر كل 4 سنوات، تتحول فيه بلد أو أكثر إلى مدينة العالم.

كل شيء منضبط في موسكو، لكن، مع ذلك، هناك ما يوحي بالخفة. حتى بوتين بوجهه الشمعي كان يبتسم وهو يخبط كفيه، بينما فريقه يحرز 5 أهداف في مرمى السعودية التي كان ولي عهدها يجلس بجواره. وتناقلت الحكايات عن بوتين تشجيعه للحب بين الروسيات والغرباء.

هكذا ستتغير روسيا، وأينما كان كريستيانو رونالدو يعيد روح قناصة آخر نقطة في العالم القديم على ساحل لشبونة، إلى ملاعب كرة ويخطف أول هاتريك. كانت سيدة روسية توقف مشجع مصري وجد شقة بجوارها، وتدعوه إلى رقصة ظل المشاركون فيها يتزايدون حتى تحول الشارع كله إلى ساحة رقص.

كعادته كان مارادونا يمارس حريته في الخطأ. كعادته دخن سيجارًا في دورة ضد التدخين، ثم اعتذر، وهو الأسطورة العابرة للزمن، المعبرة عن ارتباط كرة القدم بالحياة، تلك التي لا تترك الملاعب وحدها لماكينات تدوير المال.

يحصل هؤلاء اللاعبون على أموال ضخمة ليصنعوا المتعة. إنهم سحرة وشياطين. أساطير وحواة. رجال بيزنس وقادة قاطرات إنقاذ. محمد صلاح.. أو مو الأسطورة فكان منهكًا وواهنا بما يكفي ليقود قاطرة الفريق المصري. أو الملايين الذين تعلقوا بالفرد الهارب من الوحل العمومي. وميسي فكان يدور في متاهته موهبة كبيرة، وقائد صغير يرعى شؤون توحده مع ذاته. أما كريستيانو فكان شيطانًا منفردًا لا يريد أتباعًا، لكنه عندما يقوم يشحن بطاقة جهنمية مساكين الفريق البرتغالي، ليحققوا ما يراه، فهو تقريبًا ليس كائنا بشريا كما كتبت الصحف

هنا تأملاتنا حول ومن داخل مدينة العالم ذاتها..