مصلًا أو دواءً يوقف وباء الكورونا

البحث عن المريض رقم صفر

من أول مريض انتقلت إليه عدوى الكورونا ؟

ستسمع خرافات عن الرجل الذي التهم حساء الخفافيش ذات مساء، ودمَّر البشرية، أو عن سلاح الحرب البيولوجية في المخابرات الأمريكية، أو حتى عن رغبة الصين في القضاء على العالم وإعادة بنائه من جديد على مزاج قوتها..

لن تتوقف الخرافات حتى مع ظهور الحقائق، وستظهر نسخ من الحقائق الممزوجة بخرافات والعكس.. لكن في المعامل هناك انشغال أساسي؛ وهو المريض رقم صفر، الذي يحمل سرَّ الفيروس وشفرته، ويعرف قصة انتقاله من الموت إلى الحياة على ظهر حمض نووي يمكِّنه من التكاثر والانتشار.
لم يُعثر على المريض صفر حتى الآن، كما فهمنا من أصدقاء يعملون في شركات كبرى لإنتاج الدواء والأمصال وغيرها، إنه فريق من البشرية يختفي عن الأنظار، وننتظر جميعًا أهدافه الساحرة التي ستنقذنا! من الصعب تتبع الفريق المشغول بالمريض رقم صفر وكيف نقل الفيروس، هل كانت عطسة شارب حساء الخفافيش.. أم هو جندي أخرج الفيروس من خزانة تحميها ألوية مسلحة، كما رأينا في أكثر من فيلم أمريكي شهير، لذا فكرت في التقصي عن مستوى آخر من مستوياتالحربلإنقاذ البشرية من كوفيد 19..الكورونا
كيف تفكر شركات الأدوية.. ماذا تفعل الآن.. كيف سيردون الهجوم.. ومتى؟

سألنا صديقنا الذي يعمل في شركة كبيرة مقرها سويسرالم يحصل على إذن بالكلامفشرح لنا ما اهتممت بمعرفته.. وكانت مفاجأتنا الأولى أننا وجدناه في البيتفهو ليس من فريق الباحثين في الأمصال.. لكنه منذ تخرجه في كلية الطب مشغول بكيفية صنع الدواء.. وكيف يتم تسويقه.. بدأ بوحدة أبحاث علاج الأورام والسرطان.. وهو الآن يعمل ضمن فرق مسؤولة عن تحديد المسارات.. كيف يطورون أداء الدواء.. أو كيف يمكننا أن نخطط ليظهر دواء بعد خمس أو عشر سنوات“.

الفضول الأكبر لصديقنا هذا هو تتبع مسارالابتكار في صناعة الدواء“.. كيف إذن سنبتكر مصلًا أو دواءً يوقف وباء الكورونا ؟

إليكم نتاج الحوار مع صديقنا في عدة نقاط:

1
الدواء

 الكوفيد 19 ليس الأخطر بين الفيروساتنُذِّكر هنا بأنه في 1980 قتل الإيدز 25 مليون إنسان في لحظة من الزمنلكنه الأصعب؛ نتيجة عوامل متعددة، أهمها الانتشار، وأخطرها أنه قادر على الانتقال من وسيط إلى وسيط آخر عبر السوائل التي يفرزها الجسمعلى شكل رذاذ في العطسأو عبر اللعاب الذي يسمى في اللهجة المحكية: الريق..”، هذه السوائل تنقل الفيروس من شخص إلى آخر.. وتنتقل به داخل الجسم عبر الشفرات الوراثية.. لتصل إلى الجهاز التنفسي السفلي؛ أي إلى الرئتين والشعب الهوائية.. وهنا تحدث المشكلة، لأن الفيروس يبدأ في التكاثر داخل نسيج الشعب الهوائية.. ما يؤدي إلى انهيار وفشل الرئتين تمامًا.. من هنا تأتي أهمية معرفة المريض صفر، لنفهم تكوين الفيروس، ونتتبع تسلسل الأحماض الأمينية التي اخترقها.. ثم نتعامل معها إما بمحاولة القضاء على هذا التسلسل، أو نتوقف عند محاولة علاج الأعراض التي يسببها.. وهنا تختلف استراتيجية العلاج وفقًا لقدرتها في فهم ماذا يعمل الفيروس وكيف يتحرك.. وهذا طبعًا على المدى البعيدسنة أو سنتينلنحل الموضوع من جذوره.. أما على المدى القريب فليس أمامنا إلا أن نحاول علاج المريض الذي لا يستطيع التنفس باستخدام جهاز التنفس الصناعي.. وعلاج بقية الأعراض بقدر الإمكان.. وذلك حتى نجد الحل النهائي للفيروس.. وهذا يختلف عن الوصول إلى لقاح أو مصل وقائي يمكننا أن نطعم به الناس ضد الفيروس.. وهو موضوع أكثر تعقيدًا من اكتشاف الدواء.

2
المصل

التجربة الأولى للأمصال تتم على عدد كبير من الأصحاء الذين لم يصابوا بالفيروس.. وقد يحتاج الأمر إلى التجريب على 100 ألف شخص لتقتنع الجهات المخولة بالموافقة والاعتماد.. وكل شخص من هؤلاء ينبغي أن يوافق على تجريب المرضوتكون صحته جيدةوالتجربة تبدأ بإعطائه جزء من المرض.. لتحفيز جهازه المناعي.. ليعرف كيف يقاوم المرض عندما يهاجمه مرة ثانية ولا تحدث له صدمة. وهذه تجربة خطيرة وحساسة إذ كيف تضمن أن هذا الشخص السليم الذي تحقنه بجزء من المرض لا يصاب به؟ باختصار عملية الوصول إلى المصل صعبة جدًا.. فالمصل غير الدواءوبعد استثمار أموال وجهد كبيرين نكتشف أن المصل لم يعد ذي فائدة لأن المرض اختفى من الدنياكما حدث مع شلل الأطفال على سبيل المثال، وذلك بالنسبة لشركات إنتاج الأمصال هي من الأعمال الاستراتيجية لأنها ترتبط بالحكومات لا بالأفراد.

3
شركات وشركات

لا تعمل كل شركات الأدوية في تحدي الأمصال.. لأنها عملية مكلفة ومعقدة وفيها جانب كبير من المخاطرة كما قلنا من قبل.. منذ 10 سنوات اشترت شركة كبيرة من عمالقة صناعة الدواء وحدة أمصال ولقاحات من شركة أخرى.. وكان ذلك من قبيل توسيع السوق الذي تعمل به بالدخول في هذه المساحة الاستراتيجية التي تعتمد على صلات وتواصل على مستوى مختلف.. لكن بعد فترة فقدت الشركة قدرتهاأو رغبتهافي الاستثمار في الوحدة وباعتها لشركة أخرى.

هناك شركات اهتمامها الأساسي هو إنتاج الأمصال واللقاحاتمثل فايزرهل يكون ذلك بتكليف وفقًا لتعليمات منظمة الصحة العالمية أم تنفذًا لاستراتيجياتها الخاصةشركة ترى على سبيل المثال أن توجه جهدها في إيجاد حلول لما يحدث في أفريقيا فقررت زيادة إنفاقها هناك..”.

وهناك نوع ثالث من الشركات يدخل مجال الأمصال من باب العمل فيما لا يعمل فيه الآخرون.. فتكون المخاطرة في قلة احتمالات النجاح.. لكنهم يحصلون على العائد بأكمله.

الحديث السابق عن الشركات الكبيرة، أما الشركات الصغيرة التي تعمل على برنامج أو اثنين فقط.. فإنها تجري أبحاثًا خاصة، وربما تستطيع بعدها إنتاج الدواء، فتتصل بشركة أكبر وتطلب نوعًا من الشراكة وتكمل الطريق.. وفي حال أعلنت شركة نجاحها في إنتاج المصل وحصولها على موافقة منظمة الدواء الأمريكية أو الهيئة المشابهة لها في سويسرا أو الاتحاد الأوربي، ستتصل بها فورًا الحكومات، ومن ثَم لن تحتاج إلى شراكات.

لكن من يعمل الآن على مصل ودواء الكورونا – الكوفيد 19؟

4
الاتفاق المهم

كل الأقسام العلمية في الجامعات والشركات والدول التي تعمل بجدية على علاج أو مصل الكورونا كوفيد 19- ستعمل ولن يوقفها أحد.. ولأن الموضوع كبير جدًا ومختلف؛ أعلنت الشركات استعدادها للتواصل المفتوح.. وأنشأت موقعًا مفتوح المصدرللمتخصصين طبعًاتدخل عليه كل الشركات والعلماء والهيئات العلمية، وتمده بنتائج أبحاثهم والمعلومات التي توصلوا إليها.. وهذا اتفاق عظيم على الوصول للعلاج بأسرع وقت.. تنفيذًا لما اتُفق عليه في اجتماع عُقد منذ أسبوعين دعت إليه الإدارة الأمريكية الشركات المهتمة بعلاج الفيروسات والأمراض المُعدية.. وهو اتفاق مبشر للغاية.. لأن الوضع، إن ظل هكذا، سيكون مرعبًا للغاية.

5
الخسارة والمكسب

القصة أكبر من كورونا بمراحلوهل هناك ما هو أكبر من فيروس أوقف في لحظة كل ماكينات الرأسمالية الدائرة في العالم!”. وأعقد من أن تتحرك الشركات الكبرى بإرادة مديريها أو رؤسائها خوفًا من الإصابة بالفيروس. كما أنه من الصعب على أي مدير تنفيذي أو حتى رئيس مجلس إدارة أن يتخذ قرارًا باستثمار أموال في مكان خطأ.. حتى لو كان ذلك بدافع منغريزة البقاء“..

من ناحية أخرى ترى الشركات أنها فرصة جيدة لدعم فكرةالمسؤولية المجتمعية، ويكون المقابل لوضع إمكانات الشركة؛ من معلومات ومصانع، تحت تصرف المجموعة مضاعفة قدرتنا على أن يكون علاج الفيروسإذا ما توصلنا إليهفي متناول الجميع.

وهذا الاتجاه لا مفر منه.. لأنه يضيف مصداقية مفتقدة إلى شركات الأدوية التي يوصم أغلبهابالسمعة السيئة؛ بسبب سياسات وممارسات سابقة.. وبالإضافة إلى أنه قد ينتج عن هذا التصرف الجماعي بعض المكاسب المادية، فالمهم هو المكسب على المدى البعيد؛ ألا وهو الاحتفاظ بالباب مفتوحًا في النقاش مع الحكومات والإدارات الكبرى في العالم.. هذا إذا ما عبرنا أزمة الكورونا ، وسنعبر كما أتوقع، لأنه ليس فيروسًا فتاكًا.

بعد الكورونا ستجد الشركات نفسها أمام تحد مصيري..
هل تعلم أن شركة استشارات كبرى بدأت في وضع تصنيف للاقتصاد ما قبل وما بعد الكورونا .. نحن في لحظة مفصلية، وهناك شركات كبرى خسرت نحو 30٪ من قيمتها السوقية بعد انهيار البورصة الأمريكية.. ولذلك لا بد من أن نحافظ علىالصورة العامةلتضاف إلى رصيدنا بعد تجاوز الأزمة.

6
العلاج

على الأرض الآن شركتان لديهماشيء خاصفي مسار العلاج:

* شركة Gilead الأمريكية التي توصلت إلى علاج لفيروس التهاب الكبد الوبائي، ولديها خبرات في التعامل مع الفيروسات، ولديها مركب كيميائي لم تتم الموافقة عليه بعد لعلاج أي أمراض ناتجة عن الفيروسات.. لكن هناك نتائج مبشرة.. أو على الأقل علامات تقول إن هذا المُركَّب قد يكون مؤثرًا كعلاج.. وإذا سمعنا أخبارًا جيدة من الصين فلأنهم استخدموا هذا المُركَّب هناك، وذلك بعد الاتصال بالشركة وطلب المادة الفعالة لتجريبها على مجموعة من الأشخاصخارج نطاق القواعد المعمول بها في المنظمات الدولية”.. وفي المقابل منحتهم الصين براءة اختراع 10 استخدامات للمُركَّب.

** المسار الثاني تقوم به واحدة من الشركات الصغيرة المتخصصة في الكيمياء الحيوية؛ جهزت جرعة، وقالتنتصور أن هذا اللقاح بهذا التركيب جاهز للتجريب مع الكوفيد 19″.. وطلبت إذنًا بالتجريب وملاحظة الأعراض الجانبية، وبالفعل تطوع 5 أو 6 أشخاص، صحتهم جيدة ولا يعانون من أي أمراض.. وإذا مرت هذه المرحلة سنعبر إلى الخطوة الثانية؛ وهي قياس الجرعة المناسبة للجسم البشري، وإذا مرت سننتقل إلى الخطوة الثالثة وهي التجريب على أكبر عدد من الناس.


هذه خلاصة حوار تليفوني طويل مع صديقناالمتخصص في صناعة الدواء”.. أردنا أن نعرف منه كيف تفكر شركات الدواء في الفيروس.. وهو مثلنا؛ ينتظر، جالسًا في بيته، يتابع ما يحدث، بينما فريق الأبحاث يُستدعى، بين الحين والحين، إلى الشركة التي أرسلت إليهم بتعليمات تحذرهم من استخدام المواصلات العمومية، كي لا يتعرضوا للعدوى.. خصوصًا وأن أماكن انتظار السيارات لم تعد كاملة العدد بعد العطلة الإجبارية لـ90٪ من العاملين.. حدثنا صديقنا أيضًا عن منع استخدام العملات الورقية في المدينة التي يعيش بها.. وعن إجراءات تُعزل بها المدن عن العالم.. وكأننا في الماضي والمستقبل معًا.. ننتظر النجاة من بحث منسي في شركة صغيرة.. وسننتظر.

7
تحديث

 في دردشة الفيسبوك (الماسينجر) بعد نشر المقال علمنا من صديقنا بعض التحديثات لكلامه ومنها أن

* “شركة Gilead متقدمة في مسارانتاج دواء تحت التجريب اسمه (ريميديسفير Remdesivir) ، لم يستخدم من قبل لكن بناء علي ماقالته الشركة فإن هذا العلاج سيكون مرشحاً للتصدي لفيروس الكورونا /كوفيد 19، وقد حصل بالفعل على أولوية في الفحص من إدارة الدواء والغذاء الأمريكية FDA”

**”والمفاجئ للجميع  هو إرتباك النظام الصحي الأمريكي، الأكبر في العالم ،إلى درجة توجيه دعوة إلى تدخل أطباء من خارج أمريكا مع ازدياد الحالات بشكل متسارع ويفوق التصور.

***تجرب فرنسا دواء قديم كان يستخدم أصلاً لعلاج الملاريا،ضمن بروتوكول طبي يضم أدوية أخري معروفة ،البروتوكول استخدم لعلاج حالات مصابة،وذلك بعد ملاحظة التأثير الإيجابي للمادة الفعالة الأساسية لهذا الدواء وهي كلوروكين، أو الهيدروكسي كلوروكين، الدواء له أسماء تجارية مختلفة، ويقوم بتصنيعه عدد محدود من الشركات…”

**** “الدواء المستخدم في البروتوكول الفرنسي مضاد للبكتيريا ، بينما الدواء الذي تجربه شركة Gilead مضاد للفيروسات مباشرة…”

*****”هناك من 5-7 مسارات تجريبية تعمل بالتوازي ؛وهناك أخبار عن دواء ياباني مبشر..(*وأخبار أخرى عن تجارب على  دواء اسمه  تيلارون Tilarone وهو مضاد فيروس واسع المدى ..واستخدم من قبل في علاج السارس SARS-CoV-2 و إلتهاب الكبد الوبائي..وإلتهابات حادة في الجهاز التنفسي ؛ مستخدم في روسيا ودول مجاورة لها…ويعتقد أيضا أه فعال في سندروم الشرق الأوسط التنفسي MERS-CoV)كما أن هناك قائمة طويلة من الأبحاث وصلت إلى أكثر من 200 بحث عن الأمصال، بعضها لم يبدأ تجربته بعد، ويمكن القول إن 10% فقط من كل هذه الأبحاث تقدم أطروحات متطورة..”

******”من المحتمل أن يستغرق الأمر من شهر إلى شهرين، أو ثلاثة للحصول على دواء ناجح في التصدي للكوفيد 19.. أما المصل فلن يكون قبل نهاية السنة، وذلك على أفضل تقدير..”

  • *معلومات من محرر مدينة