عصمت عبد العليم

عصمت عبد العليم: زهرة الموهبة والصنعة

1

في قرية «الحواوشة» التابعة لمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية ولدت عصمت محمد إبراهيم الجندي، لوالد كان يعمل في تجارة الساعات عام 1923. وانجذبت منذ نعومة أظافرها إلى صوت كوكب الشرق أم كلثوم من خلال الأسطوانات التي كان يملكها والدها. وفي إحدى زيارات الشيخ محمد السنباطي والد الموسيقار رياض السنباطي إلى منزل والدها، استمع إليها وأعجب بصوتها بشدة فطلب من والدها أن تغادر المنصورة وتتجه إلى القاهرة لاحتراف الفن والغناء. وتتلمذت خلال هذه الفترة على يد الموسيقار رياض السنباطي الذي كان يحضر إلى المنصورة ليلقنها بعض دروس العزف على آلة العود والمقامات الموسيقية. وبدأت عصمت مع الوقت تصقل موهبتها في الموسيقى والغناء حتى جاءت اللحظة المواتية للسفر إلى القاهرة. وبعد إلحاح شديد على والدها، وافق على مضض مع اشتراط أن ترافقها أختها إلى أن تتزوج إحداهن. وحضرت عصمت إلى القاهرة بمرافقة أختها مطلع الأربعينيات من القرن المنصرم لتبدأ رحلتها في عالم الموسيقى والطرب. كما أن زوجها فيما بعد، عازف الكمان القدير كمال الشويخ، وقف إلى جوارها وساعدها في تكوين فرقتها الموسيقية الخاصة التي طافت بها مسارح مصر والعالم العربي. ولعل من أشهر الرحلات التي قامت بها، تلك التي قصدت فيها أرض العراق عام 1948 بمرافقة والدها وفرقتها الموسيقية لتغني على مسارحها وتسجل بعض الأعمال لإذاعة بغداد (عصمت عبد العليم: ثورة بسبب أغنية، الكواكب، 29/3/1955).

2

نجحت عصمت عبد العليم من خلال حضورها الإذاعي المتميز وخامة الصوت التي امتلكتها في لفت أنظار كبار منتجي السينما المصرية حينها، فشاركت عن طريق الدوبلاج الصوتي في فيلم «إلهام» عام 1950 من بطولة ماري كويني ويحيى شاهين، وفيه غنت قطعة رقيقة بعنوان «عتاب» من كلمات عبد اللطيف واكد وألحان جلال حرب قبل أن تشارك في غناء الأوبريت الرائع «بساط الريح» من كلمات محمود بيرم التونسي ضمن أحداث فيلم «آخر كدبة» من بطولة الموسيقار فريد الأطرش وسامية جمال وكاميليا ومن إخراج أحمد بدرخان. ونجحت عصمت خلال الأوبريت أن تعبر بمرونة ودفء عن طبيعة البقعة الجغرافية التي تنطق بلهجتها. فانتقلت بصوتها المخملي بين ربوع لبنان وأنهار العراق وأشجار المغرب العربي. وبقي هذا الأوبريت من الأعمال الخالدة في السينما المصرية فالأزياء المستخدمة في العرض السينمائي والثراء اللحني الذي وضعه فريد الأطرش إضافة إلى التناغم مع صوت عصمت كلها أسباب جعلت منه عملًا ساحرًا يتناول في جوهره أمجاد العرب. وفي العام ذاته شاركت بالغناء في فيلم «الصقر» من بطولة فريد شوقي وسامية جمال وإخراج صلاح أبو سيف كما شاركت في فيلم «ظلموني الناس» من بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي وإخراج حسن الإمام إلى جانب مشاركتها في فيلم «عبيد المال» عام 1953 من بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي وإخراج فطين عبد الوهاب وكانت لها مشاركة متميزة في فيلم «عائشة» من بطولة فاتن حمامة وزهرة العلا وزكي رستم وكذلك فيلم «قلوب الناس» عام 1954 من بطولة فاتن حمامة وأنور وجدي وشكري سرحان وإخراج حسن الإمام وكانت لها مشاركة مماثلة ضمن فيلم «تار بايت» عام 1955 من بطولة كارم محمود وسعاد مكاوي وقمر وإخراج عباس كامل وفيه أدت أغنية «سيداتي آنساتي» من كلمات فتحي قورة وألحان علي فراج. وفي عام 1957 شاركت بالغناء في فيلم «صراع مع الحياة» من بطولة هند رستم وأحمد رمزي وإخراج زهير بكير.

3

خلال مسيرتها الفنية الحافلة تغنت عصمت عبد العليم بمجموعة من أجمل ألحان كبار الملحنين. وكان على رأس هؤلاء جميعًا رياض السنباطي الذي آمن بموهبتها الفنية وصوتها الدافئ فزودها بالعديد من الألحان الرائعة، ومنها قصيدة «أيها الساقيان صبّا شرابي» من أشعار بشار بن برد، وقصيدة «النيل والوادي» من أشعار محمود حسن إسماعيل، ولعل القليلين يعرفون أنها غنت الطقطوقة المميزة «الدنيا في إيدي» من كلمات محمد سعيد عبده وهي الأغنية ذاتها التي سجلتها المطربتان أسمهان وأحلام. وقد شدت بهذه الرائعة في واحدة من الحفلات الغنائية عام 1954. وكما آمن السنباطي بموهبتها الكبيرة كان الموسيقار محمد القصبجي من أشد المعجبين بصوتها فأعطاها مجموعة من الألحان العاطفية من كلمات الشاعر عبد العزيز سلام نذكر منها «آه م الهوى» و«صعبان عليا يا قلبي آساك» و«حيرتني في الحب» و«ميعاد حبيبي معايا بكرة» وأيضًا قصيدة «يا ساقيني ومشتت بالي» من كلمات أبو بثينة. وقدمت مجموعة من الأعمال الغنائية المتميزة بين الطابعين الشعبي والوطني للموسيقار

عصمت عبد العليم

عصمت عبد العليم

عبد العظيم محمد مثل «بسم الله كلنا نتعاهد» و«باسم الله باسم الشعب» وهما من كلمات عبد اللطيف بسيوني و«أنت الحبيب للقلب» و«أنت لوحدك» من كلمات إبراهيم البهلوان و«مين حيّرك» من كلمات محمد حلاوة. كما غنت من ألحان الموسيقار حسين جنيد «عيد الشباب» من كلمات محمود إسماعيل جاد و«سألت الطير» و«مين فيكم اللي أحلى» من كلمات عبد العزيز سلام والطقطوقة الرقيقة «دي غلاوتك بالدنيا» من كلمات علي السوهاجي وألحان حسين جنيد وهذا العمل من أجمل ما قدمت عصمت خلال رحلتها في عالم الفن. ولم تنس نصيبها في التعاون مع الموسيقار محمود الشريف فسجلت له الأغنية الوطنية «شوف نور الفنار» من كلمات حيرم الغمراوي و«طوف يا أمل» من كلمات إمام الصفطاوي و«يا أسمر يا حليوة» من كلمات عبد المجيد عبد الفتاح كما غنت من ألحان آخرين من بينهم عطية شرارة وفؤاد حلمي وسيد مصطفى وأحمد عبد القادر ومحمد الموجي وأحمد صبرة وعزت الجاهلي وبليغ حمدي وسيد مكاوي وعلي إسماعيل وخليل المصري وعلي فراج ومرسي الحريري ومحمد قاسم وفريد الأطرش وآخرين.. كما تعاونت مع الموسيقار عبد الحميد توفيق زكي الذي غنت من ألحانه «نشيد المتطوعات» من كلمات أحمد عبد النبي.. و«نهر النيل» من كلمات العوضي الوكيل.. و«فرحة الشعب» من كلمات محمود أبو المجد.. و«غرد العصفور في أيكه» من كلمات العوضي الوكيل و«شعار العهد الجديد» من كلمات محمود عبد الحي مع المطرب عبد الحليم حافظ، الذي شاركته الغناء أيضًا في الصورة الغنائية الرائعة «البلبل والزهرة» من كلمات زين العابدين عبد الله وألحان يوسف شوقي.. ولها كذلك مع عبد الحميد توفيق زكي «غيبة شاعر» من كلمات أحمد مخيمر.. و«هدي خطاك يا أسمر» مع المطرب إسماعيل شبانة

والملحوظة التي تستوجب التوقف عندها تتعلق بمشاركتها اللافتة وحضورها الآسر في الأعمال الإذاعية الجماعية. فقد شاركت في مجموعة من البرامج الغنائية أمثال «أم شناف» من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان أحمد صدقي وإخراج عثمان أباظة، وشارك في هذا العمل لفيف من النجوم والنجمات على رأسهم نجاة الصغيرة ومحمد قنديل و«فرحة التأميم» (تأميم قناة السويس عام 1956) من كلمات فتحي قورة وألحان علي فراج ورواية محمد الطوخي وإخراج محمد توفيق بمشاركة كل من إسماعيل شبانة ومحمد قنديل و«من مصر لإسكندرية» من كلمات حيرم الغمراوي وألحان محمود الشريف والتوزيع الموسيقي أبوزيد حسن بمشاركة نجمي الغناء الشعبي محمد قنديل وعباس البليدي ولها أيضًا البرنامج الغنائي «فرح القنال» من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان عزت الجاهلي بمشاركة آمال حسين وإسماعيل شبانة. وكانت من بين المشاركين في البرنامج الغنائي «الفارس الموعود» إلى جانب شفيق جلال وعباس فارس، وهو من تأليف محمد عبد المجيد وعبد الرحمن العابد وألحان يوسف شوقي ورواية آمال فهمي وإخراج فايز حلاوة. وكذلك شاركت في البرنامج الرقيق «لغة الزهور» من تأليف عبد العزيز سلام وألحان فؤاد حلمي من بطولة أحلام وسعاد مكاوي وبرلنتي حسن وهند علام والبرنامج الغنائي الوطني «حلم الشعب» من تأليف عبد الفتاح مصطفى وألحان أحمد صدقي بمشاركة محمد قنديل وشهرزاد وبرنامج «العين والعافية» من تأليف عبد الفتاح مصطفى وألحان أحمد صدقي وإخراج أنور المشري، وضم هذا العمل كوكبة من النجوم والنجمات من بينهم محمد قنديل وإبراهيم حمودة وفاطمة علي وغيرهم كما شاركت في البرنامج المميز «جزيرة السبع بنات» من تأليف محمود إسماعيل جاد وألحان حسين جنيد وإخراج محمود السباع بمشاركة كل من محمد قنديل وكارم محمود، و«صندوق الدنيا» من تأليف إبراهيم كامل رفعت وألحان علي فراج وإخراج محمد توفيق بمشاركة شفيق جلال وإسماعيل شبانة. كما قدمت مجموعة من الصور الغنائية الإذاعية مثل «رحلة شباب» من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان عبد العظيم محمد بمشاركة سعاد مكاوي وشفيق جلال وجلال فكري وتوزيع موسيقى علي فراج.. وأيضًا «فرح شرقاوي» من تأليف طاهر أبو فاشا وألحان سيد مصطفى وإخراج عثمان أباظة بمشاركة المطرب عباس البليدي. وسجلت أيضًا أوبريت «مبروك يا دفعة» من تأليف علي سليمان وألحان أحمد صدقي وإخراج صلاح بيومي بمشاركة محمد قنديل و«لولي الندى» من تأليف عبد الفتاح مصطفى وألحان محمود الشريف وإخراج عباس أحمد بمشاركة فايدة كامل وكارم محمود. وكانت عصمت عبد العليم من ضمن المشاركين في أوبريت «الليلة الكبيرة» من ألحان سيد مكاوي ومسرحية «سيد درويش» من تأليف صلاح طنطاوي منتصف الستينيات وأنشدت مع الموسيقار محمد فوزي حوارية «كل غالي وله تمن» من أوبريت «بدر البدور» من ألحان الشيخ زكريا أحمد.

ومع قدوم عام 1960 تزوجت عصمت عبد العليم من عازف الكمان بفرقتها كمال الشويخ.. والذي لعب دورًا كبيرًا في مسيرتها الفنية وعندما رزقت بطفلها الأول عبد الحميد آثرت الابتعاد عن الحياة الفنية والتفرغ للبيت والأسرة قبل أن ترزق بطفلها الثاني خالد. وقد ظلّت عصمت حتى أواخر أيامها مخلصة لأولادها وزوجها. وبطبيعة الحال في هذا المنزل الفني فقد أصبح عبد الحميد وخالد من أمهر عازفي الكمان في مصر والعالم العربي. ولم ينقطع سؤال الأصدقاء عنها، خصوصًا نجاح سلام ونجاة الصغيرة كما أنها بقيت عاشقة لأصوات أم كلثوم وليلى مراد قبل أن تغادر الحياة في التاسع عشر من يناير عام 1993 عن عمر يناهز 70 عامًا.