الحرب مع الوقت…إلى أين وصلت قصة الدواء و المصل في مواجهة الكورونا

الحرب مع الوقت…إلى أين وصلت قصة الدواء والمصل في مواجهة الكورونا؟

العالم يتغير؛ هذا ما تقوله قصة عقار الرمديسفير. هذه المقولة التي تتردد منذ اجتياح الكورونا للعالم، لا تقال دائمًا نتيجة وعي أو معرفة، بل تقال توجسًا أو محاولة لوصف الغموض، فالعالم المستقر، لم يكن استقراره عاديًّا، بل كانت به مسحة من “الحقائق المطلقة”.. فلا جديد على الكرة الأرضية.. كل شيء يسير وفقًا للخطط الموضوعة في أدراج لا يراها غير القلة.. العالم كان مستقرًا وكأنه خضع لسيطرة كتب علوية، تلعن من يخرج عن ترتيباتها..
لكن ما علاقة هذا بالرمديسفير؟

1
فقرة الساحر …رمديسفير

 

الدواء الذي أوشك على الاعتماد والاستخدام الواسع في غضون الأسابيع القادمة هو ابن هذا التغيير الذي لا يشبهه تغييرات أحدثتها الأوبئة والحروب القديمة.. ليس أفضل ولا أسوأ.. لكنه مختلف في النوعية والدرجات.. وتشبه مثلًا الانتقال إلى المستقبل بدفعة متوحشة.. دفعة ستغير في المستقبل الذي كان الإنسان يسير تجاهه ويحاول السيطرة عليه بالتنبؤات، وإنتاج خيال سينمائي يؤهل المشاهدين ويرضى فضولهم عن كيف سيكون المستقبل..

لنعود إلى قصة الرمديسفير. الذي أجازته مؤخرًا هيئة الدواء والغذاء الأمريكية FDA.

سألنا صديقنا الذي يعمل في شركة دواء من الأربعة الكبار عالميًّا في صناعة الدواء، والذي كان معنا في مقال سابق عنوناه “البحث عن المريض رقم صفر”. وفاجأنا صديقنا أن “الموافقة أو الإجازة مشروطة”.

– لماذا؟

– لأن النتائج ليست مشجعة بالقدر الكافي.

وهنا لا بد من ملاحظة أن ما يكون، علميًّا أو طبيًّا “مشجعًا بالقدر الكافي” يكون بالنسبة للخائفين من الموت الجماعي بالوباء “كافيًا.. كافيًا جدًا”.

هذا الانتظار يمكن أن يمثل ضغطًا، أو يجعل التصريح باستخدام الدواء مشروطًا كي يطمئننا أكثر إلى أن الفائدة المحققة منه أكبر من احتمال ضرره”..

بتفصيل أكثر يشرح صديقنا المتخصص أسباب الإجازة المشروطة/الإستخدام في الطوارىء:

الموافقة على الدواء قبل الاطمئنان الكامل، لأن الأعراض خطيرة وقد تؤدي إلى الوفاة عند الإصابة بالفيروس مع عدم وجود أدوية أخرى مجازة للتعامل مع هذا المرض.

التجارب التي أجريت على عقار رمديسفير أوضحت أنه من المرجح أن تكون فائدة استخدام العلاج، إذا ما تم استخدامه وفقًا لشروط معينة، مبررة للفائدة المنتظرة مقارنة بالمضاعفات المتوقعة.

الشروط:

توزيع الدواء يتم بالتنسيق الكامل مع الحكومة الأمريكية.

الالتزام الكامل باستخدامه مع الحالات الخطيرة التي تعاني من نقص الأكسجين في الدم في جو الغرفة الطبيعي، أو التي تحتاج إلى جهاز تنفس صناعي أو ما شابه من تقنيات تهوية الرئة.

يعطى الدواء في المستشفى وتحت إشراف جهاز طبي.

القلق/الأعراض الجانبية :

الغثيان (10٪؜)، الفشل الرئوي الحاد (من6-10٪؜)، ارتفاع إنزيمات الكبد (7٪؜) مع الحاجة إلى إيقاف العلاج لنحو 3٪؜ من الحالات؛ نتيجة ارتفاع الأنزيمات إلى مستويات غير مقبولة؛ يضطر معها الطاقم الطبي إلى إيقاف العلاج قبل الفترة المحددة.

في المجمل؛ 10٪ من الحالات؜ أوقف علاجهم نتيجة هذه المضاعفات، ما يعني 25٪؜ تقريبًا من المرضى لا يجدي معهم العلاج نفعًا، و10٪؜ يضطرون إلى إيقافه، والنسبة الباقية (55-65٪) تستجيب.

ويؤكد صديقنا الخبير في شركات الأدوية: “في اعتقادي أنه سيجاز بشكل أوسع مع ظهور نتائج أخرى من الاستخدام العملي”.

2
لكنه قاطع طريق أكثر…

 

الرمديسفير ليس ساحراً كما نرى من كل هذه الشروط.هو أقرب إلى قاطع طريق…بل هو أقوى قاطع طريق لإنفراد الكوفيد 19 بالجسد/الضحية.

وهذا أثبت عبر تجارب علمية..أهمها تجربة جامعة ستراتفورد التي تقول الدكتورة نيرة أهوجا المحققة الرئيسية في هذه التجربة:”…أنا سعيدة بالنتائج…ومع ذلك فإنه ليس الحل الناجع…مازلنا سننتظر”.

هناك نتائج لم تصل بعد على 1063 من 68 دولة …لكن الدكتور انتوني فاوتشي مدير  المعهد الوطني للأمراض المعدية و الحساسية قال في المؤتمر الصحفي الذي عقد في البيت الأبيض:”..النتائج أوضحت التأثير الإيجابي لرمديسفير في تقليل وقت الإستشفاء في الحالت شديدة الخطورة…”

هذا الرضا عن دور الرمديسفير كقاطع طريق لمنع الكوفيد 19 من الإنقضاض النهائي علي المريض…وتقليل الوقت الذي تحتاجه عملية إنقاذ مريض وصل إلى مرحلة شديدة الخطورة من 15 يوم إلى 11 يوماً…بعد حقن في الوريد لمدة 5 أيام.

3
سر جلعاد

 

قبل اكتشاف علاج فيروس سي، كانت جلعاد تقريبًا نقطة صغيرة على الخريطة، مجرد شركة  تكنولوجيا حيوية  Bio technology في كاليفورنيا؛أ و بتعبير أكثر دقة، هي شركة متخصصة في إنتاج الأدوية المستخلصة (بنسبة تتجاوز النصف) من مصادر بيولوجية/طبيعية وهي التي يشرحها أكثر الوصف العلمي: Biopharmaceutical.

الشركة أسسها الطبيب الأمريكي مايكل ريوردان سنة 1987 تحت إسم Oligogen، وانتقلت إلى إسمها المستوحى من الأساطير التوراتية عن الأرض التي تنبت فيها أشجار تفرز مادة صمغية، تساعد عصارتها في علاج الإلتهابات.

جلعاد بين الأساطير والبحث في مجال (العلاج الخليوي والجيني) ينمو ببطء لكن بقوة، والإعتماد على إستشارات وأبحاث نخبة منتقاة من الحاصلين على جوائز نوبل في الطب و الفيزيولوجيا…والتدرج على سلالم البيزنس في نقلت أوصلت القيمة التسويقية للشركة إلى رقم 100 مليار دولار.

وهذه دراما كلاسيكية عن انتقال شركة إلى عالم منافسة الكبار، لكن ما يهمنا أن هذه التحولات الدرامية ترتبط بمعجزات ينتظرها الملايين لوقف موجات وباء ينتشر عبر لمس الأسطح.

الخوف من الأسطح يعني إنتشاراً عبر الحياة نفسها، وهذا يعني أن الدواء لن يهزم الفيروس نهائياً، لكنه يستطيع الحفاظ على جسم المصاب مدة أطول…هذا أقصى طموح هذه المرحلة …مرحلة الصدمة الأولى.

وربما كانت خفة شركة جلعاد عنصر هام في أنها الأولى التي تصدت للصدمة؛ خاصة مع توغلهم في مجال شهد بدايات عملهم هو الأورام، لكنهم بعد اكتشاف علاج فيروس سي …كان قرارهم التوسع في مجالهم القديم …واشتروا بالفعل شركة تحت مظلتهم للعلاج الجيني والخليوي.. وهي أنواع من العلاج ما زالت في مرحلة الانتشار.. وجلعاد من الشركات القليلة التي تستثمر فيه منذ نحو 10 سنوات..

والمثير (درامياً وطبياً) أن معجزة من هذا النوع تأتي من الأركان المنسية أو المفقود فيها الأمل…والمقصود هنا هي المركبات التي في مرحلة التطوير المبدئي pipeline؛ التي تحاول كل شركة اكتشاف أكبر عدد منها، لأن من بين كل عشرة مركَّبات، تقريبًا، يتحول مُركَّب واحد فقط إلى دواء، والباقي ينفق عليه من غير عائد. إلا إذ حدثت مفاجأة كما حدث مع الرمديسفير..

دراما مثيرة فعلاً..

جلعاد تنفق على المُركَّب الذي استخلصت منه الرمديسفير منذ نحو 12 سنة.. وجربته لعلاج أمراض الجهاز التنفسي على الأطفال سنة 2010.. ولم تنجح، جربتها بعد ذلك على المصابين بفيروسي سارس وميرس (من سلالة الكورونا).. وفشلت أيضًا.

ثم جربت المادة الفعالة نفسها بعد ذلك على المصابين بفيروس “إيبولا”، لكن الوقت كان قد فات، لأن الإصابات تمت السيطرة عليها.

وأخيرًا يظهر الكوفيد 19، ويصبح الرمديسفير هو الساحر الذي تنتظره البشرية المعذبة..

لكن ماذا عن بقية السحرة المنتظرين..

4
ماذا عن الأمصال؟

 

إذا تحدثنا عن الأمصال فإن المعلومة الأولى التي يمنحنها لنا صديقنا الموغل في عالم الأدوية هي أن هناك تقريبًا 111 مادة يتم تجربتها كأمصال للكوفيد 19..(بينها 9 فقط وصلت إلى المرحلة السريرية…) كل هذا العدد يعني أحيانًا أننا لن نرى المصل قريبًا.. أو نسير على الطريق الذي سرنا عليه مع الفيروسات والبكتيريا، وننتظر من 7 إلى 30 سنة (وهذا رقم معقول جدًا بالنسبة للتاريخ الإنساني مع الأوبئة.. حتى الآن لم يظهر مصل أو لقاح للإيدز على سبيل المثال).

إذن نحن في انتظار المعجزة إذا قلنا إنه من المحتمل أن يُجرَّب مصل مضاد للكوفيد 19 خلال الشهور القادمة..

صديقنا يخبرنا بأن هناك أربع 4 مجموعات تعمل على المصل:

1- تحالف دولي يدعم اكتشاف شركة أمريكية اسمها “مودرنا”؛ وتشارك فيه منظمة الصحة العالمية.

2- شركة ألمانية اسمها BioNtech مدعومة بعملاق الأدوية واللقاحات (فايزر).. وتدعمهم بشكل محدود شركة صينية.

3- جامعة أكسفورد ومعهم تحالف شبه إقليمي ودعم كبير من الحكومة البريطانية.

4- شركة اسمها Inovio و معها شركة صينية.

إلى أين وصلت كل مجموعة في مسارها. وفقًا لبحث صديقنا:

*المجموعة 4 ما زالت في مرحلة مبكرة، لكنها واعدة جدًا.

**مجموعة 3 تستخدم الطريقة التقليدية.. لكنها في تقدم واضح، وقد أعلن مركز الأبحاث في أكسفورد بكل ثقة أنهم بنسبة 80٪؜ سيتوصلون إلى لقاح في القريب العاجل.

*** المجموعتان 1 و 2 تستخدمان طريقة جديدة تمامًا في تصنيع الأمصال؛ لكن مجموعة 3 تستخدم الطريقة التقليديةعن طريق فصل المادة الوراثية للفيروس لتحفيز الجهاز المناعي؛ وفي الغالب تستخدم صورة من الفيروس بعد التعامل معها، بإضعاف الفيروس أو القضاء عليه، وتستخلص منه اللقاح.. لم تنجح هذه التجارب من قبل لكن هناك أمل كبير في نجاحها مع كوفيد 19.

5
لاتقتلوا الرسول

 

بحثنا عن الطريقة الجديدة/الأقل خطورة في محاولة اكتشاف المصل، واكتشفنا ان اسمها  MRNA mesenger.

الطريقة تسخدم للمرة الأولى و تعتمد على خلق رسم تخطيطي وراثي genetical blueprint للكورونا…وهذه التجربة تعلم الأجسام البشرية كيف تتعرف على شكل البروتينات المدببة للفيروس وتصنع أجساماً مضادة لها يمكنا خوض القتال والدفاع عن الجسم.

هذه التجربة ستمثل نقلة كبيرة في عالم الأمصال والتلقيح لأنها ستحمي الإنسان من التعرض للفيروس لاكتساب مناعة منه…وكأن المصل رسول من عالم نستطيع فيه مواجهة الوحوش غير المرئية والتي استطاع أحدها إيقاف الكون كله على حافة “النهايات السوداء..”.

ولتجربة مصل الرسول هذا هناك مغامر بالفعل دخل برنامج “ التحدي البشري..” وجرب المصل على نفسه، في حرق للمراحل (تجاوز مرحلة التجريب على الحيوانات…)…وهنا يبدو الصراع مع الوقت هو الإستراتيجية” المطلوبة في “الحرب مع الكورونا…” ولهذا ظهر الرمديسفير (قاطع طريق…وموفر الوقت) وظهر التحدي ليخرج المصل ويرتاح العالم قبل أن يكمل الكوفيد 19 تدميره البطيء لكل ما كان عادياً…في الطريق إلى “العادي الجديد..” الذي يغير مراكز السلطة و السيطرة. الشركات الصغيرة تتقدم عن الكيانات العملاقة ويروح جديدة …وعقليات خارج النمط مثل بيل جيتس ( يدعم 7 مسارات للحصول على المصل..) والعلماء يتقدمون ببطء ساحات القتال بينما تتراجع الحكومات كأدوات تنفيد لخطة العلماء…هذا ما يبدو على السطح في معركتنا الطويلة مع فروس إحتل الأسطح و جعلها ملعونة…فماذا يحمل الرسول..؟