صهيب أيوب: ثأرٌ صافٍ مثل دمعة

القول إنها مفرقعات، أمر مثير للسخرية..

المدير العام للأمن العام اللبناني عباس ابراهيم 

قهر صافٍ كدمعة 

من تدوينة للكاتب حسام عيتاني 

 

كان بإمكان كلٍّ منا أن يكون جثة في الأمس. وميشال عون النائم في قصر بعبدا، يستلذ بعمق داخل بيجامته المرقطة بنومه، رئيسًا لجمهورية الموت. يقلب جسمه العاجز، على فراشه، ويحلم بالأبدية. وهو يقول في رأسه: لم أمُت اليوم، غداً يوم آخر.

الموت لا يقتل الجبناء، بل الانتقام يا جنرال. 

كان بإمكان كل منا إن لم يمت مفجرًا أو محترقًا أو مسمومًا أو غريقًا، أن يموت من القهر. وحسان دياب يبحث بين ركام ما سقط في السراي الحكومي عن مشطه العظم، كي يرتب شعره الذي تبعثر قليلاً، في لحظة مات فيها العشرات وتكسّرت فيها المباني وتهدّدت حيوات الآلاف. يبحث دياب بين ركام الأبواب المخلعة عن كتاب إنجازاته، ليضيف صورةً جديدة ممهورة بجملة: «أتفقد الموت الذي لم يقتلني». 

الموت لا يقتل القتلة. بل الانتقام. الثأر هو من يقتل يا حسان دياب. 

كان بإمكان كل منا أن تقتله نوبات الهلع والخوف والمهانة والذل، وهو يعاين بقلب مفجوع مجزرة أمس، وسعد الحريري يلتقط لنفسه سيلفي عاريًا يرسلها لصديقته الجنوب أفريقية، في بريد إلكتروني، مع عبارة: حرائق بيروت تلهب قلبي بالشوق. 

حرائق بيروت تلهب أجسامنا الجامدة في مكانها. محاجر عيوننا التي لم تنم. صدورنا التي تتنفس الغضب في كل لحظة. رؤوسنا الملأى بالهواجس والخوف والذعر والقلق. سيناريوهات الموت المتعددة. آثار الصدمات النفسية. تلك التي لن يعرفها سعد الحريري، في قصر قريطم المسوَّر بالكاميرات ورجال الأمن، والمضاء بالكهرباء أربعًا وعشرين ساعة وحوله شقق بيروت المعتمة. 

الموت لا يقتل الأغنياء، يا سعد الحريري، لكن الانتقام يقتل. 

كان بإمكان كلٍّ منا أن ينام في العراء، كما نام آخرون. ووليد جنبلاط، يجلس على أريكته في باحة قصر المختارة، يضع تويتة ثم، على غفلة، تحثه رغبة للقراءة. لا شيء سيعكر صفو الساعات الحميمة مع كتاب. خير جليس في الأنام كتاب، وليس صور الجثث والدم والقتلى. من هؤلاء؟ يسأل نفسه. قتلنا مثلهم أضعاف الأضعاف في مجازر الجبل وعلى الحواجز. من يسأل عن مئة شخص، عابرين، لن تُعرَف أسماؤهم وسيُنسون بعد أيام

.

الموت لا يقتل الجزّارين والميليشيويّين يا جنبلاط. لكن الانتقام يفعل

كان بإمكان كلٍّ منا أن يفقد حبيبًا، أخًا، صديقًا، جارًا عزيزًا. ونبيه بري يتصل بمحاسبيه في أفريقيا، متفقدًا أمواله في البنوك والبورصة العالمية، ومتلمِّسًا يد زوجته وهو يخبرها أن حصصها بعد المجزرة ستكون 70 في المئة، في بلد ذاهب الى انهياره الكبير. 

الموت لا يقتل كارتيلات المال وحيتانه، يا برّي، بل الانتقام. 

كان بإمكان كلٍّ منا أن يسقط من الفاجعة، وهو يرى بيته وشققه وأغراضه الشخصية، محطمة مكسوة بالغبار والدم. ومحمد فهمي يقول لنا أن نسأل الجمارك عما حصل، متبرّئًا كرفاقه في الحكم من أي مسؤولية، ومتذكرًا سحسوحه مع رستم غزالي. يتفقّد رقبته التي لم تنز دمًا يومًا، ولا كرامة، تلك التي لم يعرفها. 

الموت لا يقتل الخاضعين والعساكر المأمورين، بل الانتقام. 

كأن كلاً منا قد أحس أن جسمه سقط أو جمد، وأنه للحظة لا يريد سوى الثأر. الثأر من أجل الثأر. من أجل كل هذا الألم الذي سببته العصابة، وكل هذا الخوف والموت والغبار والمعارك، والمشقات. الثأر الأعمى الذي لا يفرق بين دم وماء. 

ثأر صافٍ مثل دمعة. 

*ينشر الإتفاق مع الموقع الصديق ميغافون

**صورة الغلاف :وسام متى – بيروت