علي هاشم: أي سمسار أحرق بيروت؟

إنه الوقت المناسب لسؤالين كبيرين:

من قرَّر أن يسمسر على حساب المدينة وأهلها، من خلال تخزين هذه المواد في مرفئها؟

من قرَّر أن يضع هذه القنبلة الذرية الصغيرة في حضن العاصمة؟ ولماذا؟

وفق الرواية التي قدمها بعض الرسميّين، فإن المواد التي فجرت العاصمة هي مسحوق نيترات الأمونيوم شديد الاشتعال. لكن الجميع يدرك أن هذه المادّة الخطرة لا تندرج في قائمة السلع الاستهلاكية التي يحتاجها الشعب اللبناني، أو المواد الأوّليّة التي تحتاجها الصناعات اللبنانيّة. ببساطة، لا يوجد سبب يمكن أن يفسّر وجود هذه المواد في المرفأ من بوابة حاجة لبنان إليها.
كيف وصلت المواد إلى المرفأ إذن ما دامت غير مُعدّة للاستعمال المحلي؟ قدّمت مصادر الجهات الأمنية حتى اللحظة روايتين للموضوع:

الأولى، تتحدث عن مصادرة هذه المواد من باخرة رست في المرفأ اللبناني قبل سنوات، دون أن تتلف أو يُتخلص منها. لماذا تمّ الاحتفاظ بهذه المواد ولم تُتلَف إذًا؟ هل كان هناك نيّة للسمسرة عليها في صفقات المرفأ الشهيرة؟ أي على النحو الذي جرت من خلاله السمسرة على العديد من السلع الممنوعة التي صادرتها الجمارك في الفترات السابقة؟ أي منافع كان ينتظرها من قرّر الاحتفاظ بهذه الموادّ بدل تلفها؟

أما الرواية الثانية التي سربت، فتتحدث عن عمليات ترانزيت، إذ خُزِنت بهدف إعادة تصديرها إلى أفريقيا. وهنا، تُطرح أسئلة أخطر: ماذا استفاد لبنان من الموافقة على استعمال المرفأ لهذا النوع من العمليات، ومن تخزين أخطر المواد على البيئة والمجتمع لمجرد تصديرها لاحقًا إلى دول أخرى؟ هل ثمّة من سمسر على السلامة العامّة في هذه الحالة، ووافق على تخزين هذه المواد لمصالح معيّنة؟

لا ترغب أي دولة عادةً بالاحتفاظ بهذه النوعية من المواد في مرافئها، ما دامت بغنى عنها، وما دامت لا تمتلك صناعات كيماوية تتطلّب استيرادها، فأي مسؤول في الكون يقبل بتخزين هذه الموادّ في مرفأ دولته، لمجرّد إعادة تصديرها إلى الخارج؟

فاحت الكثير من روائح الصفقات النتنة مع رائحة المواد الكيماويّة التي انفجرت في المرفأ أمس، خصوصًا وأن أي رواية لم تتمكن من تبرير تخزين هذه المواد في المرفأ، كما لم تتمكن أي رواية من تبرير تخزين هذه المواد في حضن العاصمة، وعلى مقربة من منشآت مرفأ العاصمة.

لكن ماذا عن الخسائر؟

بالإضافة إلى الكلفة البشرية الأكثر أهمية، دُمِّر مرفأ بيروت، مع كل ما يعنيه ذلك من خسارة الاحتياطي البلاد الاستراتيجي من القمح الذي كان يجاهد لبنان لاستيراده بعد مشكلة شح السيولة بالعملة الصعبة. وعلى مسافة غير بعيدة عن المرفأ، دمَّر الانفجار مستودعات وزارة الصحة، التي كان يتمّ استخدامها لتخزين أدوية الأمراض المستعصية المكلفة، والتي كانت تمثّل المصدر الأساسي لهذا النوع من الأدوية بالنسبة إلى متوسّطي ومحدودي الدخل في البلاد.
أما الأخطر، فهو تدمير منشآت المرفأ بشكل شبه كامل، ممّا يعني أنّ البلاد ستحتاج إلى الاعتماد على مرفأ طرابلس بشكل أساسي للاستيراد في المرحلة المقبلة. وسيؤدّي الضغط على مرفأ طرابلس حتمًا إلى تقليص حجم السلع التي ستتمكّن البلاد من استيرادها.
نحن أمام كارثة مكلفة على العاصمة والبلد، وأمام أحداث تسببت بها قرارات اتخذها مستفيدون، وعن سوء نية. 

*ينشر الإتفاق مع الموقع الصديق ميغافون

**صورة الغلاف :وسام متى – بيروت