مواء – عن فيلم حُشود

تجلس “مواء” أمام شاشة اللابتوب حاجبة نصف الرؤية عن صديقتها -فلا يحق لنا قول صاحبتها أو مالكتها بالطبع- التي تشاهد فيلمًا. كطبيعة القطط تحب “مواء” الأشياء المتحركة، فهي بطلة، تحارب الحشرات المنزلية بأنواعها، حتى أنها تلقى تكريمًا هائلاً من صديقتها، تحارب أيضًا كرات الصوف، الأسلاك الكهربية، ستائر المنزل وأحيانًا قد تضطر لمحاربة شعر صديقتها المجعد بشجاعة بالغة. ترى مجموعة من الناس تتراقص أمامها على الشاشة فيثير ذلك اهتمامها، فبما أنها مضطرة للجلوس مكانها ستحب أن تتابع شيء يتحرك، ولكنها تجد أن هناك شخص ما يهرب من تلك المجموعة الراقصة. لا تفهم “مواء” كيف أن حركاتهم لا تثير اهتمامه ليجري خلفهم! لماذا يقاوم؟ تفكر “آه، أعتقد أن كل البشر لا يجيدون اللعب”. ولكنها ليست لعبة صيد بالنسبة له، بل هي لعبة صيد بالنسبة لهم وهو الضحية.

ترى المكان الواسع الذي يركضون فيه وتفكر “مكان بهذا الاتساع لا يوجد به مخبأ واحد؟”. تهوى “مواء” الاختباء كما تهوى النوم على ظهرها والشمس تداعبها حتى أنها تعتقد أن الشمس كرة صوف وأشعتها خيوط؛ فتحاول أن تمسك بها بأظافرها في ذلك الوضع ولكنها تفشل في اصطيادها كل مرة. موقع الراقصين واسع جدًا وخيوط الشمس تنتشر من فوقه. يبدو أن على الرغم من اتساعه هناك ما هو أوسع منه في الخارج. ولكن “مواء” مثلهم لا تحب الخروج. يخرج الضحية من غرفة ضيقة إلى مكان أكبر، تفكر “ربما تكون عدة صناديق مختلفة الأحجام، صندوق ضيق أحاول أن أجعله يتسع جسدي لأنام بداخله. كم تبدو فكرة رائعة الآن!”.

حركاتهم السلسة واندماجه معهم مرة ومقاومتهم مرة تجعلها ترى إما أنهم صائدون بارعون، مثلها بالطبع! أو أنه جزء من ذلك الجمع ويحاول ألا يكون. لكن كيف يمكن ذلك؟ لا بد أن تغريه أفعالهم وحركاتهم كما تهوى “مواء” أن تتابع من الشرفة قطط الشارع تتعارك، فإذا لم تستطع المشاركة بالطبع ستجعلهم يسمعون صوت مواءها الغاضب، وإذا سنحت لها الفرصة ستكون منتصرة مرة وضحية مرة أخرى، فكيف لها ألا تشارك؟ المشاركة والانتماء غريزة لا تستطيع مقاومتها بل لا تحب مقاومتها.

ألا تضيف الحروب والألم والموت شيئًا لهذه الحياة كما يضيفه الحب والضحك والرقص؟ أينبغي أن ندع الأحداث كلها تحملنا كالموج؟ أم نقاومها؟ هذا يذكرها بأنها لا تحب المياه على الإطلاق فتلعق جسدها تجنبًا أن تشك صديقتها في نظافتها وتجبرها على الاغتسال، كما تكره المياه تكره أيضًا الموسيقى، لكنها تشعر أن موسيقى الفيلم لا تزعجها بهذا القدر، تشعر أنها نابعة من حركة، فالكادر يتحرك، الأشخاص تتحرك والموسيقى تبدأ في مجاراتهم، كل شيء يتحرك أمامها في هذا المكان، المكان الفسيح الذي تعطيه خطوطه الطولية والعرضية في الخلفية شيئًا من الثبات، فقط كل ما يحدث فيه يحاول أن يحركه.

تراهم يجرون ربما يحاولون الخروج مع أنها لا تظن أنه يوجد باب من الأساس، يجرون تاركين خلفهم قطع من ثيابهم وقد ظنت أن الشال الأحمر الملقى أرضًا بقعة دم فسرعان ما تتذكر الجرح الذي في قدمها التي تكره أن تلمسه صديقتها ظنًا منها أنها تستطيع معالجتها، تنهض وتنزل في هدوء وتختبئ في الصندوق الورقي تحت سرير صديقتها وتحرك ذيلها ببطء.

مريم سليمان


مريم سليمان صانعة أفلام وممثلة ومؤدية صوتية، تدرس في المعهد العالي للسينما، تعمل منذ 2016 في مجال التمثيل وصناعة الأفلام القصيرة.


طوِّر هذا النص من خلال فراشات لا تجري نحو الضوء، وهي ورشة عمل حول نقد الأفلام الإبداعية التي عقدت في يوليو 2019 كجزء من مهرجان القاهرة التاسع للفيديو. المزيد من المعلومات حول الورشة هنا.