أنت الآن في سنة 1923

العدد 803، 15 مارس 1950، مجلة آخر ساعة

العدد 803، 15 مارس 1950، مجلة آخر ساعة

في العدد 803، 15 مارس 1950، نُشر في مجلة آخر ساعة بتوقيع الصحفي محمد عبد الرحمن موضوع يعود بالزمن إلى 1923 ؛ السنة التي وضع فيها دستور مصر الأول، بعد عام من حصولها على استقلالها الشكلي الذي أقرَّه تصريح فبراير 1922، وقد استمر العمل به حتى إقرار دستور 1930 الذي منح الملكوقتها كان فؤاد الأولسلطات واسعة، فقامت القيامة، وخرجت التظاهرات مطالبة بإلغائه فأُلغي بموجب مرسوم ملكي في 1935، وأعيد العمل بدستور 23 حتى قامت ثورة يوليو 52.

وفي 13 ديسمبر 1952 أذاع اللواء محمد نجيب، عبر الإذاعة الملكية المصرية، بيانًا قصيرًا أعلن فيه باسم الشعب سقوط دستور 23 الذي كان الملك يستخدمهمطيَّة لأهوائه؛ وأضاف أن الحكومة بصدد تشكيل لجنة مكونة من خمسين من الشخصيات العامة، قانونيين ومثقفين وسياسيين، لوضع دستور جديديكون منزَّهًا عن عيوب الدستور الزائل، ومحققًا آمال الأمة في حكم نيابي سليم ونظيف“. ووضعت اللجنة مسوَّدة لدستور 54، لكن مجلس قيادة الثورة تجاهل المسودة، ولم يقر الدستور، واختفى كل ما يتعلق به، حتى عثر الصحفي صلاح عيسى على المسوَّدة الخاصة به بالمصادفة في صندوق للقمامة، ويُرجِّح البعض أنها نسخة القانوني البارز عبد الرزاق السنهوري. وفي كتابهدستور في صندوق القمامةالذي صدر في 2001 ذكر صلاح عيسى أن الضباط علَّقوا العمل في مشروع دستور 54، وأصدروا في فبراير 1953 دستورًا انتقاليًّا، أُعلن وقتها أن العمل به سيستمر طول الفترة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات. ولم يشعر الضباط بأي مشكلة دستورية وهم الذين وجهوا لفاروق الأول في 26 يوليو 25 إنذارًا بالتنازل عن العرش لامتهانه إرادة الشعب وعبثه بالدستور.

بالعودة إلى آخر ساعةالمجلة التي أسسها في 1934 محمد التابعي (1896-1976) – سنجد على غلافها، وتحت كاريكاتير ملون للرسام رخا، مانشيت مكتوبًا بالخط الأحمر “27 سنة مع الدستور“…

يبدو أن المصريين يحبون الدساتير من زمان، ويحبون إثارة الضجة حولها.


الفقرات باللون الأحمر مقتبسة كما هي من المقال المذكور. آخر ساعة. 15 مارس 1950.

مجلة آخر ساعة بتوقيع الصحفي محمد عبد الرحمن موضوع يعود بالزمن إلى 1923

نحن الآن في سنة 1923 آخر سنة من سنوات الرخاء الذي جاء بعد الحرب مباشرةالحرب العالمية الأولى، إنه يوم 15 مارس أول عيد من أعياد الاستقلال. ومصر اليوم ترقص على سلالم التاريخ، فقد مضى عام كامل على إعلان الاستقلال، وسيمضي عام كامل ثم يجتمع أول مجلس نيابي في عهد الدستور.. من الواضح أنه حدث مهم. أو ما يزال المصريون يرونه مهمًا، فهو مكتوب في 1950، أي في عهد حكومة حسين سرّي (1896- 1960) التي استمرت من 1949- 1952. لكن تسمية عيد الاستقلال هذه لن تدوم طويلاً؛ فسيتولى سعد زغلول الوزارة، ويعقد مجلس النواب بعد عام، ويسمي اليوم (عيد الدستور).

توفيق نسيم باشا رئيس الوزراء قدم استقالته لأن الإنجليز رفضوا أن يسمى ملك مصر في الدستورملك مصر والسودان. وتوفيق باشا نسيم (1871-1938)، رئيس وزراء مصر في الفترة بين 1922-1923، وحفيد لاظ أوغلي باشا، وزير مالية محمد علي باشا، وصاحب ميدان لاظوغلي حاليًا. واللورد اللنبي يفاوض عدلي يكن ولكن عدلي يرفض الوزارة وكذلك ثروت ورشدي عدلي باشا يكن (1864-1933)، مؤسس حزب الأحرار الدستوريين، كان وزيرًا للمعارفالتعليم حاليًاورأس الوزارة ثلاث مرات في الفترة بين 1922-1930. وثروت هو عبد الخالق باشا ثروت (1873-1932)، شغل منصب وزير الحقانيةالعدل حاليًاووزير الداخلية قبل أن يشكِّل الوزارة مرتين. أما رشدي فهو حسين باشا رشدي (1863-1928) رأس الحكومة المصرية لثلاث مرات، في فترة الحرب الأولى بين 1914- 1919 ورئيس اللجنة التي أشرفت على وضع الدستور وأسماها سعد زغلول لجنة الأشقياء!

حين نُفي سعد زغلول ورفاقه لم يبقوا طول مدة النفي في مالطة كما كانت الكتب المدرسية تكتفي؛ كانت مالطة بداية الرحلة بعدها نُقل إلى عدن ثم إلى جزيرة سيشل ثم إلى جبل طارق، ويشير الصحفي هنا إلى أن المساعي مبذولة لفك اعتقاله، وهناك صحيفة إنجليزية صغيرة اسمها الديلي هيرالد Daily Herald تطالب بإطلاق سراحه، وقد وصفتها الصحف المعادية لسعد بأنها صحيفة حقيرة يصدرها الشيوعيون في لندن، ولكن صحف سعد تؤكد أنها صحيفة كبيرة، وأنها تطبع أكثر من 40 ألف نسخة في اليوم، ونشرت صحيفة الديلي دسباتش Daily Dispatch، لسان حال المحافظين، ومقطوعيتها نصف مليون نسخة، والمقطوعية هي عدد ما تصدره، مقالًا بعنوانسجن النعيمقالت فيهمن الخطأ أن يظن البعض أن سعد زغلول في محنة، فالواقع أنه يعامل معاملة استثنائية كأسير دولة. وهو ليس قوي البنية فلذا يعتنى بصحته اعتناءً عظيمًا، وله أن يقرأ ويطالع جميع الكتب التي يحتاج إليها، ومع ذلك لا يبتهج ابتهاجًا حقيقيًّا بقراءة الأدب، ولا تجد الصحيفة مانعًا من ذكر أن سعد باشا كان يجيد لعب البوكر وقد استطاع أن يكسب كل النقود التي كانت في جيوب حراسه، وليست هذه المرة الأولى التي كسب فيها سعد زغلول أموال حراسة.. فقد سبق أن ربح أموالًا كثيرة من كل مكان نفاه إليه الإنجليز“.

وبينما نُقل سعد زغلول إلى جبل طارق بصحبة تابعه عبد الله أفندي محمود، ظل الشاب مكرم عبيد (1889-1961) وزير المواصلات والمالية في حكومات لاحقة، معتقلًا في سيشل، ومعه القاضي الشاب مصطفي النحاس بكالنحاس باشا لاحقًا (1879-1965)؛ من مؤسسي حزب الوفد ورئيس مجلس النواب ورئيس وزراء مصر في حكومتي 1928، و1930- وفتح الله بركات بك، وعاطف بركات بك، وسينوت حنا بك لكن المنفى لا يمنع الحب، وخصوصًا إن كان المعتقلون شبابًا، فقد ذكر المقال إن مكرم عبيد يحب فتاة في مصر، ويكتب لها كل يوم خطابًا من نـار! وهي عايدة ابنة الأستاذ مرقص حنا، المعتقل الآن في قشلاق قصر النيل ومحكوم عليه بالإعدام. يا لها من مأساة تراجيدية لا تقف عند هذا الحد، فمصطفي بكالنحاسمتشائم! ويتحدث دائمًا عن شقيقته وأولادها الصغار الذين تركهم بلا معين في شقته الصغيرة بحي شبرا؛ فإيجار الشقة مرتفع جدًا يبلغ 3 جنيهات في الشهر. لكن مصطفي بك لا يستسلم للحزن فهو يمضي الوقت في الغناء مع مكرم؛ يغنيان الأغنية الشعبيةيا عزيز عيني وأنا بدي أروَّح بلدي! بلدي يا بلدي والسلطة خدت ولدي!”، وهي أغنية الشيخ سيد درويش التي كتبها يونس القاضي (1888-1969).

***

لا تترك آخر ساعة الصحف في حالها، فتذكر أن أغنى الصحف هي صحيفة السياسة، التي تدفع مرتبات ضخمة للمحررين؛ فهم يدفعون لرئيس التحرير الشاب محمد حسين هيكل 80 جنيهًا في الشهر، وهو مبلغ ضخم طبعًا بمقاييس ذاك الزمان وحتى بمقاييس سنة 50، والشاب محمد حسين هيكل (1888-1956) هو لاحقًا وزير المعارف في حكومة محمد محمود، والشاعر والأديب صاحب روايةزينبالتي ظل مؤرخو الأدب يذكرونها لفترة طويلة كأول عمل روائي عربي.. وقتها كانت السياسة توزِّع 25 ألف نسخة في اليوم. وهناك منافسة شديدة بين جريدتي المقطم والأهرام على احتلال المكان الثاني.

لا شك أن محمد عبد الرحمن كان ظريفًا حين يذكر أن المخبر الشاب محمود أبو الفتوح يبحث عن عمل! ولا أدري تحديدًا ماذا يعني هنا بكلمةمخبر“. وأن الشاب فكري أباظة، وقتها، يكتب مقالات حماسية في الأهرام نصفها علامات تعجب ونصفها علامات استفهام والباقي أفكار جديدة. أي أن فكري أباظة (1896-1979) الأديب والشاعر ومؤلف وملحن نشيد ثورة 19 التي كان أحد خطبائها، والصحفي الملقب لاحقًا بشيخ الصحفيين لم يكن يقدم شيئًا في مقالاته بالأهرام.

أما محمد التابعيمؤسس المجلة، أو أمير الصحافة كما كان يلقب لاحقًافقد كان وقتها يكتب مقالاته الأولى في مجلة سفنكس الإنجليزية، قبل أن يتجه للكتابة بالعربية، وقد كان مقالة الأول نقدًا لرواية غادة الكاميليا، والمقصود بكلمة رواية هنا مسرحية، فقد ظلَّ المسرحيون يطلقون على المسرحية رواية حتى الستينيات من القرن الماضي، أما مسرحية غادة الكاميليا فقد أخرجتها فرقة رمسيس المسرحية التي أسسها يوسف وهبي وعزيز عيد في مارس 1923، ويصف التابعي يوسف وهبي بأنهواد لخمة، وقد اكتشف التابعي فتاه صغيرة قامت بدور صغير جدًا واسمها فاطمة رشدي، وتنبأ لها بمستقبل كبير وهو ما كان فعلًا! في هذه الفترة كان التابعي يستعد للحصول على شهادة الليسانس، وأمنيته أن يعيَّن في وظيفة بالسلك السياسي بمرتب 15 جنيهًا في الشهر، حينها كان كثير الحياء ويجفل من مجالس الفتيات، وهو ما يتناقض مع ما حدث مستقبلاً؛ فهو الدونجوان الذي ملأت مغامراته النسائية صفحات النميمة في الصحف لفترة طويلة. وهو كذلك الصحفي الذي رافق العائلة الملكية المصرية في رحلتها إلى أوروبا في 1937.

محمد التابعي

محمد التابعي

في 1923 كان مصطفى وعلى أمين في التاسعة؛ تلميذان في السنة الثانية بمدرسة المنيرة الابتدائية ببنطلونات قصيرة، يقرآن بشغف روايات اللص الشريف وجونسون والفرسان الثلاثة. وقتها كان مصطفى أمين يصدر مجلة بالبالوظة اسمهاالحقوق، والبالوظة هي الطباعة بماكينةالاستنسل، المستخدمة في مصر منذ العشرينيات، وكانت حتى وقت قريب تستخدم في طباعة أوراق الامتحانات في المدارس، وتسمى البالوظة لأن الحبر المستخدم فيها هلامي ويشبه البالوظة فعلاً.. وكان علي أمين يصدر مجلة منافسة اسمهاالأسد، وقد اكتشف اليوم أن اللورد كتشنر قد غرق، ونشر خبرًا في الصفحة الأولى من مجلة الأسد بعناوين ضخمة، وبعد إعداد المجلة للطبع وتوزيعها ظهر أن كتشنر غرق منذ 9 سنوات، بعد نحو 20عامًا؛ في 1944، سيعيد مصطفى وعلي أمين إحياء مجلة آخر ساعة في مؤسستهما أخبار اليوم التي ستظل ملكًا لهما حتى تأميم الحكومة المصرية للصحف في 1960.

وفي مارس 1923 كان توفيق الحكيم طالبًا في السنة الثالثة بمدرسة الحقوق، وكان يزوَّغ من محاضرات المدرس علي ماهر في القانون الدولي كي يحضر بروفات روايته/ مسرحيتهالعريس وخاتم سليمانفي فرقة عكاشة، وهي مسرحيات كتب الحكيم معظمها زجلاً مختلطًا بالحوار العامي، وقد ضاعت أصول هذه المسرحيات فيما بعد. ويذكر مجيد صالح بك في كتابهتاريخ المسرح عبر العصورأن الحكيم عندما صار أديبًا مرموقًا فيما بعد لم يهتم بإعادة طباعتها. وكان زملاء توفيق الحكيم ينصحونه بأن يحضر محاضراتعلى بكلأنه محاضر ممتاز. وكان توفيق يعد بالحضور عند انتهاء البروفات، ولكنها لم تنته إلا بعد انتهاء العام الدراسيويبدو أن الحكيم كان يفكر في الزواج، فمعظم زملائه في المدرسة متزوجون، لماذا إذن لا يتزوج هو أيضًا، لقد بدأ يقلِّب هذه الفكرة في رأسه، واستطاع أن ينفذها بعد 23 سنة؛ ففي 1946 تزوَّج توفيق الحكيم سرًّا، فلم يعرف حتى زملاؤه في أخبار اليوم بخبر زواجه، حتى علم مصطفى أمين وكتب مقالًا بعنوانعدو المرأة يتزوج بشروطهوأن الحكيم حين اضطر للاعتراف قال إن الزواج “عقلي، الغرض الأول منه تأسيس بيت يصلح لحياة فنان؛ الكتب فيه أهم من الفراش، والموسيقى فيه أكثر من الطعام“.
يشير المقال كذلك إلى أحمد عبود، الذي سُميت منطقة عبود، وموقف عبود في شبرا الخيمة حاليًا تيمنًا باسمه، وهو اقتصاديرجل أعمال بلغة العصر الحاليشارك في مشروعات كبرى كإنشاء خطوط السكة الحديد في فلسطين وسوريا وسكك حديد بغداد وغيرها، وكان رئيسًا للنادي الأهلي لخمسة عشر عامًا، ومنحه فؤاد الأول رتبة الباشوية في 1930. وقتها كان عائدًا للتو عاد من تركيا، مهندسًا صغيرًا عمره 32 سنة، ومتزوج من اسكتلندية حسناء، في جيبه عشرة آلاف جنيه ويبحث عن عمل؛ هل يشتغل بالصحافة أو يشتغل بالمقاولات؟ وقد بدأ بالمقاولات وارتفعت ثروته إلى عشرة ملايين جنيه.. يا للهول!

أحمد باشا ماهر

أحمد باشا ماهر

كان الدكتور أحمد باشا ماهر (1988-1945) رئيس وزراء مصر لمرتين في الأربعينيات قبل أن يغتاله في 1945 المحامي محمود العيسوي، الذي قيل إنه كان ينتمي للوفد، ثم ذكر الشيخ حسن الباقوري في مذكراته إن عيسوي كان ينتمي للإخوان، وقد اغتيل أحمد ماهر لأنه قرر الاشتراك في الحرب العالمية الثانية بجانب بريطانياوهو صاحب تاريخ ممتلئ بالاتهامات بالمشاركة في مقاومة الإنجليزقبل كل هذا وفي 1923 كان ماهر بك أستاذًا في مدرسة التجارة/ كلية التجارة حاليًا؛ شابًا متطرفًا في الثلاثين من عمره، والبوليس السري يراقبه ويتتبعه؛ فهو متهم بأنه الرأس المدبرة للاغتيالات السياسية ضد الإنجليز، وها هو ذي جالس على المقهى يلعب الدومينو، والطلبة يعبدونه عبادة. محمود فهمي النقراشي (1888-1948) كان متهمًا كذلك في قضية الاغتيالات السياسية، لكن المحامي الشاب وقتها-1924- مصطفى النحاس حصل له على البراءة، فوقتها كان النقراشي شابًا نشيطًا، ومجرد موظف صغير في إدارة الإحصاء التابعة للوزارةأي وزارة؟ومرتبه 15 جنيهًا، ولا تسمح حالته المالية بركوب الترام، لذلك يسير يوميًّا على قدمية من بيته في شارع بولاق إلى مكتبه، ومن مكتبه إلى بيت الأمةووفقًا لآخر ساعة فهو الذي يؤلف الوفد، ففي كل مرة يقبض الإنجليز على أعضاء الوفد يسرع بتأليف وفد جديد، لقد ألف حتى الآن 3 طبقات بعد اعتقال وفد سعد.

***

مجلة آخر ساعة بتوقيع الصحفي محمد عبد الرحمن موضوع يعود بالزمن إلى 1923

الآن ننتقل إلى الصالونات، وكما نعرف فقد كانت الصالونات أو أخبار المجتمع، ولا تزال، ركنًا أساسيًّا في الصحافة؛ وهذه الأخبار مضحكة جدًا ربما لأن الزمن تجاوزها، ومع ذلك لا يمكن أن نكتفي بالضحك تعليقًا عليها. الأستاذ محمد عبد الرحمن يؤكد إن أجمل سيدة في مصر سيدة شابة اسمها عنايات هانم سلطان.. ولا يزيد على ذلك. وينتقل لذكر أن العقلاء يشكون من انحطاط المجتمع، فقد شوهد أحد الوزراء وهو يذهب إلى مسرح ماجيستك وقد تأبط ذراع زوجته، حتى الآن لا مجال للانحطاط، فالمسارح تضع ستائر من التوللي على الألواچجمع لوچ وهو البنوار؛ كبائن مغلقة كان بعض الخاصة يفضلونها ليشاهدوا المسرح والأوبرا ضمانًا للخصوصيةلتخفي الحريم، أي النساء.. ومشايخ الأزهر يشكون من انحلال الأخلاق، تقريبًا لا يفعل مشايخ الأزهر أكثر من الشكوى من انحلال الأخلاق؛ فهم يحذرون من أنه إذا سار الحال على هذا المنوال قد تذهب زوجة الوزير إلى المسرح مع زوجها سافرة الوجه. وقامت قيامة الصحف لأن بعض السيدات المصريات ذهبن إلى مسرح رمسيس سافرات، كما ألغى أحد الوزراء زواج ابنته لأن العريس الوقح طلب أن يشاهد العروس قبل عقد القران.. يا حفيظ!

عودةً للجمال، ذكر المقال أن أجمل ممثلة هي السيدة زينب صدقي؛ واسمها الحقيقي ميرڤت عثمان صدقي (1895-1993)، التي اشتهرت بأداء دور السيدة الأرستقراطية في أفلام الأبيض والأسود، بعد أن كانت ڤيديت فرقة رمسيس في شبابها، وأضاف أنها تعيش في بذخ غير عادي؛ وتصرف ما لا يقل عن 30 جنيهًا في الشهر. أما أجمل شاب فهو عطا عفيفي بك، الذي لم نعثر على أي معلومات عنه سوى حصوله على 253 صوتًا في انتخابات مجلس إدارة نادي الجزيرة/ نادي أمير الصعيد وقتها، في فبراير 1952. ولكن الدوائر الأجنبية تؤكد أن أجمل شاب هو أحمد محمد حسنين، وهو مفتش داخلية صغير؛ وتصفه بأنه شاب جريء جدًّا، ذهب إلى قصر المنتزة بملابس عادية، وطلب مقابلة السلطانوقتها كان السلطان هو فؤاد الثاني، وقد ظل يلقب بالسلطان حتى 1922؛ حين تغيَّر لقبه ليصبح ملك مصر وسيد النوبة وكردفان ودارفورالمهم أن أحمد حسنين الجريء ذهب دون موعد سابق، وقد دهش رجال القصر لما استقبله السلطان وأصدر أمره بتعيينه أمينًا رابعًا، ولم يكن رجال القصر يتوقعون بقاء هذا الشاب طويلًا في القصر، فهو لا يفهم في البروتوكول ولا في الأصول؛ لكنه بقي طويلًا، وصار واحدًا من أبرز رجالات الدولة لعشرين سنة بعدها، فهو أحمد حسنين باشا (1989-1946)؛ رئيس الديوان الملكي، والعرَّاب الذي رافق فاروق الأول في رحلته لأوروبا، وهو الحبيب السري للملكة الأم نازلي، ثم زوجها عرفيًّا، بعد أن كان متزوجًا من لطيفة سري ابنة الأميرة شويكار الزوجة الأولى للملك فؤاد، وظلت نازلي زوجته حتى لقي مصرعه في حادثة سيارة غامضة على كوبري قصر النيل في 19 فبراير 1946 بينما كان في طريقه إلى بيته في الدقي قادمًا من قصر عابدين، وقد نُشر خبر الوفاة في الصفحة الأولى للأهرام التي وصفت الحادثة بأنهامصاب فادح“.

الملك فاروق وزينب صدقي ويوسف وهبي

الملك فاروق وزينب صدقي ويوسف وهبي

الخبر الأكثر طرافة هو ما ذُكر عن ظهور موجة إباحية غربية بين بعض التلاميذ، اضطرت ناظر المدرسة السعيدية إلى رفت ثلاثة منهم، لأنهم دخلوا المدرسة دون طرابيش أما الخبر الأكثر غرابة، ولا أعتقد أن الزمن تجاوزه حتى الآن، أن الصحف قامت قيامتها ضد محمد محب باشا وزير المالية الجديد، لأنه أرسل خطاب شكر إلى جمعية الهلال الأحمر تضمن 15 غلطة نحوية، وهذا أقل مما يحدث حاليًا بأريحية عجيبة، وطبعًا دافعت الصحف الوزارية عن الوزير بأنه ليس من شروط الوزارة أن يجيد الوزير المصري اللغة العربية.

والظاهر أن الشكوى من الغلاء لا تختفي نهائيًّا من قاموس الشعوب؛ ففي 1923 ذكرت آخر ساعة إن تكاليف الحياة مرتفعة جدًا، وأن الناس يتحدثون عن الغلاء ووجوب العمل على مكافحته، وهو ما يحدث حتى الآن. وقتها كان الموظف الصغير لا يستطيع أن يجد شقة في جاردن سيتي مكونة من 4 غرف بأقل من 4 جنيهاتحاليًا لا يستطيع الموظف الصغير أن يجد شقة في أي مكانوثمن الفستان قد وصل إلى 3 جنيهات، والترزي يتقاضى جنيهين، وعلمت إحدى الصحف أن أحد أولاد الذوات دفع 8 جنيهات ثمنًا لبدلته، وثمن رطل اللحم 3 قروش، وثمن أقه/وقة العيش أكثر من قرش صاغ، كما رفعت المسارح أجرة الدخول، فوصل ثمن اللوچ إلى 50 قرشًا.. كما انتقدت الصحف الاتجاه الجديد لزيادة عدد الوزراء حتى إن عددهم وصل إلى 8 وزراء.

***

مجلة آخر ساعة بتوقيع الصحفي محمد عبد الرحمن موضوع يعود بالزمن إلى 1923

مجلة آخر ساعة بتوقيع الصحفي محمد عبد الرحمن موضوع يعود بالزمن إلى 1923

خارج مصر كان الحديث عن تركيا، فذُكر أن الدوائر الديبلوماسية تهمس بأن الغازي مصطفى كمال أتاتورك وقع في غرام فتاة حسناء اسمها لطيفة، ولا ندري لماذا كان من المتوقع أن يقضي هذا الغرام على نفوذه ويؤثر في تفكيره. وما زاد الطين بلة القول إن مصطفى كمال يفكر في أن يرتدي القبعة في الصيف، وهو ما لم يعجب الأزهر، فكيف يجرؤ زعيم مسلم أن يضع على رأسه قبعة الكفرة والنصارى..
وبالفعل تزوج أتاتورك من لطيفة أوشاكي زادة، وهي فتاة سافرة من أسرة بالغة الثراء في أزمير، وقد كان شكل زواجهما حديث الساعة؛ فقد جلست لطيفة لحظة الزواج بنفسها، دون وكيل لعقد قرانها، وكانت ذات طبيعة مختلفة عن فتيات عصرها خصوصًا في هذه المنطقة من العالم.

مصطفى كمال أتاتورك وزوجته لطيفة

مصطفى كمال أتاتورك وزوجته لطيفة

أما في أوروبا فكانت صحف لندن تتحدث عن دوق يورك جورج السادس (1895-1952) الذي أصبح لاحقًا الملك جورج السادس الذي حكم من 1936 حتى 1952، وخلفته ابنته إليزابيث الثانية؛ الملكة الحالية التي لا يبدو أنها ستموت أبدًا؛ وقتها كان جورج شابًا خجولًا وخطب فتاة غنية جميلة، وقد تردد أبوه الملكجورج الخامسطويلًا في عقد قرانه لأنه يتلعثم كثيرًا، ولا يستطيع أن ينطق جملة كاملة إلا إذا تلعثم في أثنائها ثلاث مرات. وقد نشرت صحيفة إيفننج نيوز Evening News أن العريس سيقدم لعروسه قلادة مصرية قديمة وجدها اللورد كرنار فون في قبر توت عنخ آمون، وهو ما أثار ثائرة الصحف المصرية على الهدية، فذكرت أنها مسروقة من مصر، وطالبت بإعادتها. لكنها لم تعد، كما لم تعد آلاف القطع من الآثار التي سُرقت أو هربت أو أهدت إلى الخارج.

في أوائل العشرينيات كانت النساء في العالم يتحركن من أجل مستقبل أفضل نعيش بعضًا منه الآن، ففي فنلندا، وحين أوشك القرن التاسع عشر على الانتهاء، خرجت لوسينا هاجمان (1855- 1946) وكانت علمًا بارزًا في محيط الخدمة الاجتماعية، وأسرت لبَّ النساء والرجال بكتاباتها النظرية في حقوق المرأة السياسية، وجعلت من قضية المرأة الفنلندية قضية دولية برحلاتها إلى الولايات الأمريكية. وقد تمكنت من فرض المساواة بين الجنسين في التعليم بكل مراحله. لتصير أول امرأة فنلندية تمنحها الجامعة لقب الأستاذية، وهو اللقب الذي قلما يمنح للرجال، وهي مؤسسة المنظمة النسويةاتحاد حقوق المرأةالتي ظهرت بعد أول منظمة نسائية سياسية، لها برامج منظم وأهداف مرسومة في 1884 “رابطة النساء الفنلندياتالتي كان هدفها الرئيسي هو المساواة التامة الحقيقية بين الجنسين، والمساواة في الحقوق السياسية، وفي التكافؤ بين الجنسين في نوع العمل وتحديد الأجور. وسرعان ما حصدت النساء نتاج ذلك؛ إذ نالت المرأة فوق سن الرابعة والعشرين مساواة تامة في كل الحقوق؛ ففي 1944 عُدِّل قانون الانتخاب تحت ضغط كل النساء اللاتي حضرن إلى العاصمة إلى سن الحادية والعشرين. وتحت عنوانبرلمان بعطريختم محمد عبد الرحمن مقاله بذكر أن المرأة في فنلندا اقتحمت البرلمان، واحتلت 15 مقعدًا من أصل 200 في برلمان سنه 1930، ثم ارتفع العدد إلى 24 من أصل 200 في انتخابات سنة 1948. وفي البرلمان لزمت المرأة الجانب الطبيعي لها، وفقًا لآخر ساعة؛ فلم تتدخل فيما انتخب الرجل له، بل اهتمت بمشروعات القوانين التي تهم حقوقها وبنات جنسها. لقد عرفت المرأة الفنلندية كيف تشق طريقها بين الأسوار والأحجار، ففرشت الطريق كله بالأزهار لتصل إلى البرلمان... نهاية سعيدة.