فهرس بعض الخسارات: لماذا يحبون السقف المنخفض؟

مدينة

  • لا يكاد يمر يوم في هذه المنطقة من العالم، منطقة السقف الواطئ، إلا ونسمع أن كتابًا مُنع، أو صودر، أو أن فيلمًا رفضته الرقابة، أو حُذفت منه مشاهد، أو أن الرقيب الرسمي طالب بحذف بعض الجمل من كتاب، أو أن هيئة الرقابة على المطبوعات احتجزت أو منعت دخول عدد من العناوين إلى البلاد، في موسم معرض الكتاب. أو أن فتاة حوكمت، وأدينت لأنها رقصت أمام الكاميرا ونشرت رقصتها على تيك توك.أحيانًا يصل الأمر إلى تقديم الكُتاب والفنانين للمحاكمة والحكم عليهم بالحبس لسنوات، عقابًا على خدشهم الحياء والخروج عن الكود الأخلاقي الذي تسعى السلطة لفرضه والحفاظ عليه، فالسلطة ترى في الرقابة على الأفراد، والتحكم في كل ما يفعلون، ملعبها المفضل الذي تتألق فيه، وتستطيع أن تفرض سيطرتها الكاملة، لتخلق في النهاية مجتمعًا مرتابًا مجمدًا على الصورة المثالية والمعايير المضبوطة التي رسمتها بدقة.أما حراس الفضيلة فإن غفلت السلطة لحظة عن أداء دورها الرقابي فهم موجودون، ومنتشرون يفعلون كل ما يلزم  لرسم كاركتر الأبوية الكلاسيكية، وهؤلاء هم الرقباء الشعبيون المتطوعون؛ نقابلهم في التاكسيات والباصات والشوارع والحدائق العامة، يمنعون الحب والقبلات والاقتراب، ونجدهم كذلك في المؤسسات المنتجة للثقافة، مثل عُمّال المطابع المحافظين الذين يرون أنفسهم حراسًا للأخلاق، ومن واجبهم حماية قيم المجتمع وأخلاقه وآدابه، يبلغون أن جملاً بذيئة أو جريئة أو متجاوزة في حق السلطة موجودة في كتاب ما وينبغي منعه… تخيَّل معي عاملاً من عمّال جمع الكتب (نسخها)، يقوم بعمله فيلمح كلمة ما، أو تستفزه جملة ما، يغلي الدم في عروقه، ويقرر ألا يقف موقف المتخاذل أمام الانهيار الأخلاقي، وتسونامي قلة الأدب، فيوقف الطبع، ويصعِّد الأمر… لكن من أين استمد عامل المطبعة التعس سلطته تلك؟! لكن هذه أجواء قديمة للغاية؛ لا نبالغ إن قلنا إنها مستقرة منذ قرون، ففي الأندلس مُنعت كتب ابن رشد، وصودرت، وأشهرت في وجهه تهمة التكفير، وفي عصر المماليك فرض الفقهاء إطارًا عقائديًّا على المجتمع، ومنعوا الخروج عنه بالرقابة على الكتب، ومنع تداولها وقراءتها، وأشهر سلاح التكفير في وجه المخالفين. وعندما تتكرر الممارسات، أي ممارسات، يصبح الأمر عاديًا، لكننا هنا، ومع الوقت لا نفقد الإحساس بالدهشة، ولا يفتر شعورنا بالغضب، ويتكرر السؤال الذي قد يبدو ساذجًا لفرط بدهية إجابته: هل من المعقول أن يفكر أحد حتى الآن في منع أي شيء، في زمان التكنولوجيا المتفجرة التي تصل إلى ما في النفوس، وتعرف أذواقنا، ومقاسات ملابسنا الداخلية، وتفضيلاتنا الجنسية، وميولنا، وما نقرأ، وما نكتب، وما نعتقد… هل تقدر السلطة في عصر الإنترنت اللاسلكي المفتوح على حدود الكون، الممكن التقاطه من أي مكان في العالم، أن تخفي شيئًا، أو تخبئ فكرة، أو تنكر الموجودات؟!

فهرس بعض الخسارات

المترجم سمير جريس

على فيسبوك كتب المترجم عن الألمانية سمير جريس، تفاصيل أحدث مذابح الرقابة العربية على الكتب، بعد أن وصلته أخيرًا نسخ من كتابه المترجم “فهرس بعض الخسارات” الصادر عن مشروع “كلمة” الإماراتي. والكتاب من أبرز إصدارات الأعوام الأخيرة في ألمانيا، ووصلت ترجمته الإنجليزية إلى جائزة “مان بوكر”. ويصفه جريس بأنه نموذج لفن المقالة الأدبية في أرفع صورة. إذ تمزج المؤلفة يوديت شالانسكي بأسلوبها الأدبي الفلسفي الذي يمزج الوقائع التاريخية والعلمية بالخيال الروائي، وتقدم 12 فصلاً، تتمحور حول فكرة الفناء والزوال. يتناول كل فصل شيئًا اختفى ولم يعد له وجود، شيئًا ضاع ولم يترك، إن ترك، سوى آثار مادية محدودة. ثم يصف تفصيليًّا ما تعرض له أحد فصول الكتاب؛ فصل “دائرة معارف في الغابة”، من مذبحة أطاحت بـــ640 كلمة، تدور كلها حول الجنس والأعضاء الجنسية لدى الرجل والمرأة. وقد حدث الحذف دون اتفاق مع الكاتبة أو المترجم.
“للأسف الشديد أيضًا، ليست هذه المرة الأولى التي يتدخل فيها المراجع في مشروع “كلمة” بالتعديل لدواع أخلاقية مزعومة، مثلما حدث في ترجمة صديقي أحمد فاروق لرواية “مجد متأخر” لأرتور شنيتسلر؛ إذ “طُهرت” الرواية من كل أنواع الخمور، واختفت كل أنواع البيرة والنبيذ، ليحل محلها كلمات مثل “مشروب” أو “شراب”. لكنها ربما تكون المرة الأولى التي يصل فيها الحذف إلى هذا الحد.

السؤال المطروح هنا: لماذا الترجمة من الأصل إذا كنا نريدها –فقط- متوافقة مع أفكارنا وثقافتنا وآرائنا؟”. هذا مع أن العقد الموقع بين المترجم ومشروع “كلمة” يؤكد على التزام المترجم بقواعد “الأمانة العلمية والدقة الفكرية واللغوية، بحيث تكون المقارنة مع النص الأصلي دقيقة في مستوى الألفاظ والمعاني كلها، مع التأكد من عدم سقوط لفظ أو معنى، كذلك لا يضاف إلى النص الأصلي ولا يُحذف منه شيء دون التشاور مع الطرف الأول والحصول على موافقة كتابية منه، التزم المترجم، لكن دار النشر نفسها لم تلتزم بشيء من هذا.
والحقيقة أن سؤال لماذا الترجمة من الأصل إذا كنا نريدها فقط متوافقة مع أفكارنا وثقافتنا وآرائنا، سؤال متكرر ينطرح مع كل حادثة من هذا النوع. الترجمة، وهي فن راسخ، تختلف عن التأليف، فإذا اخترت كتابًا لنقله إلى ثقافتي هذا يعني ببساطة أنني أريده كما هو، لا ينبغي أن أختار من نفس الكتاب ما يناسبني وأرمي الباقي. لكن الواقع أن المؤسسات الثقافية، ودور النشر الخاصة، وأحيانًا، بل كثيرًا، وهو ما شهدته مرارًا، يلعب المترجمون أنفسهم هذه الأدوار الرقابية الغريبة. وقد فعلها مترجمون مخضرمون مثل عبد الغفار مكاوي، وحمادة إبراهيم، ومصطفى ماهر، وغيرهم. وقد حدث ذات مرة أن أخبرتني إحدى المترجمات بفخر عن المقاطع التي تجاهلت ترجمتها في كتاب كانت قد تقدمت به للنشر في المركز القومي للترجمة، قالت بابتسامة لزجة “حذفت كل المقاطع قليلة الأدب”!
في القومي للترجمة أيضًا، مع أنه مشروع نشر الترجمة الأكبر في مصر، وفي المرحلة التي تلت المؤسس جابر عصفور، الذي لم يحدث أن أوقف كتابًا أو منعه من النشر لدواعٍ تتعلق بالأخلاق أو التابوهات المعتادة، أصبح عاديًّا الآن أن تتعطل الكتب التي يُبلغ بعض المدققين اللغويين والمحررين المحافظين أنها تحتوي ما لا يصح نشره، كلٌ وفق هواه. على سبيل المثال؛ تعطَّل كتاب “أقنعة جنسية: الفن والانحطاط من نفرتيتي إلى إيميلي ديكنسون” للمؤلفة كاميلي باليا والمترجم ربيع وهبة، عن النشر لما يقرب من تسع سنوات، لأسباب متنوعة، آخرها وأهمها أن مدير المركز آنذاك، الدكتور فيصل يونس قال نصًّا “لن أنشر بورنو بفلوس الحكومة”!
هكذا، ليظل الكتاب معطلاً لسنوات، قبل أن يقرر مدير آخر الإفراج عنه ونشره، بعدد محدود من النسخ؛ لا تتعدى 500 نسخة، بالتعاون مع دار التنوير!



خليج النشر

في السعودية، بعد أن كان الكتاب السعوديون ينشرون كتبهم في الخارج – في بيروت مثالاً- بحثًا عن مساحة من الحرية وهربًا من الرقابة، ومن ضمن حزمة الإجراءات التحررية الأخيرة، أعلن في يونيو الماضي إلغاء الرقابة المسبقة على الكتب، وإتاحة خدمة السماح الفوري للمطبوعات الخارجية، سواء للقطاع الخاص أو العام، بالدخول إلى البلاد، والاكتفاء بالرقابة اللاحقة؛ ستسمح إذن بدخول الكتب في مناسبات معارض الكتب، التي زادت مؤخرًا، لكن هذا لا يعني أنها لن تصادرها لاحقًا، إذا اكتشفت أن فيها ما يخالف. خصوصًا وأن مبررات القرار لم تُعنَ من قريب أو بعيد بالحريات، بل جاءت في سياق الحماية من قرصنة الكتب الإلكترونية، والتحايل وتسرب المستخدمين إلى المتاجر العالمية، وفي النهاية وكما صرَّح المسؤولون الذين تفاخروا بأنهم من أوائل الدول التي أتاحت ذلك في المنطقة “فدور النشر العربية تدرك الثوابت الشرعية والوطنية التي يمنع دخول الكتاب إلى السوق السعودي بسببها”! 

وفي الكويت، على الرغم من أن مجلس الأمة الكويتي وافق في 2010 على تعديل قانون المطبوعات والنشر، الذي أنهى عقودًا من الرقابة الحكومية المسبقة والمشددة على النشر، فلا تزال الكتب تمنع، وتصادر كل عام كل مرة لأسباب مختلفة. أما في الإمارات ففي 2018 فرضت الدولة، ممثلة في المجلس الوطني للإعلام، المزيد من القيود على النشر، وضاعفت الرقابة على المنشورات جميعًا من صحف وكتب. وهو ما كان غريبًا أن يحدث في الوقت الذي تتنامى فيه صناعة النشر، وتظهر مؤسسات جديدة متخصصة، ترغب في أن تلعب دورًا ثقافيًّا إقليميًّا، أسوة بمشروعات قديمة في الكويت مثل “عالم المعرفة”؛ ومنها مشروع “كلمة”، الذي يضع الكثير من القيود والمحاذير الأخلاقية على محتوى الكتب التي يسمح بنشرها. وهي محاذير أخلاقية لن تجد لها وجودًا على بعد ساعتين سفر، في دبي، المدينة المنفتحة على الثقافات، المتحررة التي تستطيع من غرفتك في الفندق أن ترفع سماعة التليفون وتطلب عاملة جنس بالمواصفات التي تفضلها، فتصلك في الوقت المحدد بخدمة الدليفري!

تحكي ديبورا ويليامز، الكاتبة وأستاذة الأدب والكتابة الإبداعية، عن تجربة عملها في جامعة نيويورك أبوظبي “عندما قرأت في الصحيفة أن مجلس إدارة مدرسة في ولاية تينيسي  قرر حظر كتاب آرت شبيجلمان (موس) بسبب استخدامه غير الضروري للألفاظ النابية والعري وتصويره للعنف والانتحار، أدركت أن أرفف مكتبي في جامعة نيويورك أبو ظبي ستجعل أعضاء مجلس إدارة المدرسة يرتجفون يأسًا… لكن ما رأيهم في الرفوف المليئة بالكتب عن نظرية العِرق، أو أرفف الكتب حول دراسات النوع الاجتماعي وتاريخ الأدب الكويري… في الواقع، كانت أرففي مفاجأة لزملائي وأصدقائي في نيويورك، الذين كان معظمهم على يقين من أنني عندما انتقلت إلى جامعة نيويورك أبوظبي قبل عشر سنوات، لن يكون لديَّ حرية تدريس أي من هذه الأشياء… ومنذ اللحظة التي تم فيها الإعلان عن مشروع جامعة نيويورك أبوظبي، كان الناس على يقين من أننا لن نكون قادرين أبدًا على تعليمهم “هم” هذه  الأشياء المهمة؛ وهو موقف ينم عن كثير من التعالي الثقافي، كما لو كان مشروع جامعة نيويورك أبوظبي يهدف بطريقة ما إلى جلب أضواء الليبرالية الغربية إلى الشرق الأوسط المظلوم”. لكن مساحة الحرية التي تزهو بها ديبورا، وهي محقة، ليست موجودة حتى الآن في دور النشر في أبو ظبي نفسها، ويبدو أن مشروع كلمة لم يعرف بوجودها بعد. وهو الذي أصدر في 2012، أي منذ ما يزيد عن عشر سنوات، ترجمة جديدة لكتاب “الكتب الممنوعة”؛ للكاتب الإيطالي ماريو إنفليزي، بترجمة وفاء البيه. وهو عرض ملخص لتاريخ الرقابة على المطبوعات في الحضارة الغربية، تتبع المسارات الشائكة لقضية حرية التعبير، وأنواع الرقابة المسلَّطة على الكتب والكتّاب، بما فيها القيود على النشر بكافة أنواعه. كما يحكي حدوتة نشأة الرقابة، ويضم قوائم بالكتب المحظورة، ودور محاكم التفتيش حتى عصر التنوير!

‎⁨غلاف كتاب فهرس بعض الخسارات ⁩.jpg

لكن مشروع كلمة بعد فورة البدايات حذف أكثر فصول كتاب (فهرس بعض الخسارات) إثارة، “وهو الفصل الذي يحوي ما كتبته شالانسكي حول الشاعرة الإغريقية سافو، التي توفيت عام 570 قبل الميلاد، ويشرح نظرتها إلى فناء الأحاسيس، انسجامًا مع الرؤية الكلية للكتاب عن الأطلال. ويجمع دارسو سافو، التي عاشت في جزيرة لسبوس، على أن أغلب أشعارها ضاعت خلال الحقبة البيزنطية، نتيجة لمزيج بين الإهمال المتعمد أو التدمير، لذلك لم تصل إلينا من نصوصها سوى قصائد قليلة جدًا، لكنها حافلة بإشارات متناقضة عن مفهومها للحب والمغامرة الحسية”.
“لفترة طويلة لم يكن ممكنا اعتبار ما تفعله النساء مع بعضهن البعض جنسًا، وعليه لم يكن ممكنًا وضعه تحت العقوبة إلا إذا كان تقليدًا لجماع الرجل مع المرأة. القضيب هو الذي يحدد الفعل الجنسي، وعندما يغيب، فإن الفعل لا يكون سوى فراغ، يبرزه عدمُ وجود علامة تشير إليه، نقطة عمياء، ثغرة، ثقب لا بد من سده مثل العضو الجنسي الأنثوي”. هنا حذف الرقيب فقط كلمة “القضيب”، أي المقابل للكلمة اللاتينية Phallus، ربما اعتبرها فجة، أو خادشة للحياء، واستبدلها بالعضو التناسلي للرجل!
وفي فقرة أخرى “نعلم أن الإغريق القدماء لم يكونوا يقسمون الشهوة حسب انتماء ممارسها إلى الجنس نفسه أو إلى جنس مغاير. الفيصل كان بالأحرى هو أن يتناسب الدور الجنسي مع الدور الاجتماعي”. مقارنة مع الأصل نجد أن الرقيب قام بـ”إخصاء” الفكرة الأساسية في الفقرة، أي ربط الجنس بالسلطة والخضوع والاستعباد. فهل هذه الفكرة خادشة أيضًا للحياء العام؟

وهنا الفقرة كاملة “نعلم أن الإغريق القدماء لم يكونوا يقسمون الشهوة حسب انتماء ممارسها إلى الجنس نفسه أو إلى جنس مغاير. الفيصل كان بالأحرى هو أن يتناسب الدور الجنسي خلال المضاجعة مع الدور الاجتماعي للممارسين، أي أن يكون الرجال البالغون فاعلين، والغلمان والعبيد والنساء سلبيين. هذا التقسيم بين السلطة والخضوع لم يقم على أساس الجنس، بل على الفصل بين هؤلاء الذي يولِجون ويتملكون، وأولئك الذين يولَجون ويُستملَكون”.
طالت التدخلات كذلك جملاً عادية تمامًا مثل “وخاصة إذا كان الدافع الجنسي للشخص قويًا للغاية”، التي تغيرت إلى “وخاصة إذا كانت رغبة الشخص قوية للغاية”. ويرى جريس أن الرقيب نصب نفسه هنا مدافعًا عن جنس الرجال بأكمله، فحذف كل ما تخيل أنه قد يهين الذكور والذكورة، مثلما نرى في هذا المقطع الذي حُذف بأكمله “إن العضو التناسلي الذكري –الذي لا يقدم أي ميزة على الإطلاق إلا عندما يتعلق الأمر بتلبية نداء الطبيعة- يمثل عبئًا دائمًا ووصمة عار. إنه، لا سيما عندما يقف الرجل مستقيمًا، أكثر الأماكن ضعفًا في القتال، وعائقًا مزعجًا للعين، سواء لأنه نتوء في سطح مستو، أو باعتباره كسرًا وسط خط مستقيم”.
أما في المقطع التالي فقد ترك الرقيب نصف الجملة فيه، ثم أتى على نصفها. هنا المحذوف “…. في حين أن الرجل يتدنى إلى أحط الحالات الحيوانية، وبمجرد أن يعري عضوه التناسلي يبدو مُهانًا، فاقدًا لأي جمال. وفيما يتعلق أيضا بالقدرة التقنية على إتمام الجماع فإن المرأة تتفوق على الرجل، فهي لا تحتاج على سبيل المثال إلى قضيب منتصب. وفيما يتعلق بالعملية الميكانيكية للفعل فإن المرأة قادرة على الجماع دون توقف”.
وهنا نواجه بعض الأسئلة الجديدة؛ هل من حقي كمترجم أن أعترض إن حذفت دار النشر التي أعلم جيدًا ومسبقًا أنها محافظة ذات سقف بعضًا من ترجمتي؟ الإجابة في ظني هي لا!

ألا ينبغي أن أقدم لكل دار نشر ما يناسبها، توفيرًا للوقت والجهد؟ نعم!
ولكن قد يجيب بعض المترجمين بأن دور النشر التي قد تقبل بنشر كل شيء وأي شيء لن تدفع مقابلاً مجزيًّا لقاء الترجمة، وهو كلام له وجاهته، خصوصًا في ظل تدني أجور المترجمين، وفي ظل فقر عقول أغلب دور النشر، ومحدودية التجارب المنفتحة الجريئة، وفي ظل أجواء خانقة، وردة ثقافية تطال كل شيء، وفي ظل أجندات ترجمة لها حسابات متشعبة، آخرها مصلحة المترجم. وسيقال كذلك إن دور النشر التي تدفع كثيرًا تتدخل كثيرًا وتحذف كثيرًا، وهي دوامة لا حل لها إلا بمناخ من الحرية بلا سقف.