روجر روبنسون مع راشيل لونج: لماذا يكتب السود الشعر؟

وكأننا بعوضة تواجه جودزيلا..

أسماء يس ترجمة

إذا كنت ستقرأ حوارًا بين شاعرين، فأنت بالتأكيد تتوقع أن يكون الكلام عن الشعر وأجوائه، لكن هذا الحوار مختلف، صحيح أنهما شاعران، حققا نجاحًا، لكنهما هنا سيتكلمان عن العنصرية والإقصاء..
لدينا شاعران إنجليزيان من أصول ملونة، الأول هو روجر روبنسون، 53 عامًا، الفائز بجائزة تي إس إليوت لعام 2020، وجائزة أونداتجي عن مجموعته الشعرية الأخيرة “جنة محمولة” A portable Paradise التي استعاد فيها ذكرياته عن ترينيداد، بلده الأصلي؛ التي انتقل منها إلى بريطانيا عندما كان في الرابعة من عمره.. والثانية هي راشيل لونج، 32 عامًا، التي نشرت كتابها الأول في أغسطس 2020 بعنوان “حبيبي من الأسود” My Darling from the Lions، ونالت عنه جائزة أفضل كتاب شعري في بريطانيا 2020.

في عام 2015 أنشأت راشيل، حين كانت بعد في السابعة والعشرين من عمرها، مجموعة أوكتافيا Octavia؛ وهي مجموعة أدبية للشاعرات الملونات، يستضيفها شهريًا مركز ثاوسبانك في لندن. وكانت هذه المجموعة أولى النقاط اللافتة في الحوار، والتي ستقودنا إلى سؤال الفاعلية؛ إلى أي مدى يمكن أن تكون الشاعرات/ الشعراء فاعلين في مجتمعاتهن، خصوصًا لو كانت البيئة التي يعيشون فيها مليئة بالحواجز والعوائق التي تحد من انطلاق الفنون.. العوائق في هذه الحال تحديدًا عرقية بالأساس، في مجتمعات لم تتخلص بعد من آثار العنصرية والتمييز على أساس اللون. لكن العوائق تتنوع وتختلف وفقًا لظروف كل مجتمع..

أحيانًا، وفي كل المجتمعات، يفكر الشاعر في أنه لا ينبغي أن يفعل شيئًا سوى الكتابة، مهمة ليست هينة، فالشعر، في هيئته الحديثة، بعد عصور من اختفاء صورة شاعر القبيلة الفارس المؤثر، الذي كان يحمل هم القيام بدور ثقافي اجتماعي، بل وأحيانًا سياسي، لم يعد فنا شعبيًّا على الإطلاق.. لكن الحداثة، التي أراحت الشاعر من ثقل هذا الدور، لها جوانب أخرى معقدة، ولن تجعل من اليسير على الشاعر الراغب في العزلة، الذي يواجه ظروفًا معطلة دومًا، على مستويات عدة، أن يستسلم لعزلته مع قصائده ونفسه وهذياناته الشخصية جدًا وفقط، بل ستفرض عليه من وقت إلى آخر أن يصطدم بالسؤال المزعج الأزلي حول وظيفة الشاعر، لكنه لا يصل إلى إجابة نهائية..

لا يستطيع شاعر مصري على سبيل المثال، مهما كان ناجحًا ومقروءًا، أن يتجاهل مشكلة صعوبة نشر الشعر، الذي يواجه رفضًا مستمرًا من الناشرين، حتى تكاد تقتنع أنه توجد خطة ممنهجة لإقصاء الشعر والتعالي عليه.. وتظهر من حين إلى آخر دعوات لمقاطعة الناشرين الذين يتخذون مواقف رافضة للشعر، أو دعوات لتأسيس مجموعات من الشعراء تنشر كتب الشعر على حسابها، بعيدًا عن سيطرة الناشرين الذين لن ينشروا كتابًا شعريًّا إلا بعد جهد، وبعد أن يدفع الشاعر مبلغًا كبيرًا، ليوافق الناشر الذي لن يطبع في الآخر إلا 500 نسخة على الأكثر.. لكن كل هذه الدعوات تنتهي بالفشل في كل مرة، هي إذن غير مجدية، وغير فعالة، والنتيجة تخلف مزيدًا من الإحباط، ومزيدًا من الجفاف الذي لا سبيل إلى تجاوزه إلا بالشعر.

في هذا الحوار، الذي نشرته الجارديان في يونيو 2020، ويمثل تواصلاً سلسًا بين جيلين مختلفين من الشعراء، يثمِّن روجر روبنسون تجربة راشيل لونج في صنع فاعلية شعرية نسوية مستقلة ومستمرة، لمواجهة كل محاولات الإقصاء العرقي، باعتباره تصرفًا إيجابيًّا مقاومًا.. وفي الوقت نفسه باعتباره تجاهلاً لدور الضحية التي قد يروق لبعض المضطهدين الركون إليه بفعل عوامل كثيرة أهمها اليأس.. ويعترف أنه اندهش للغاية حين حصل على جائزة تي إس إليوت، وسط منافسة كتاب رائعين، و”بيض”.. راشيل أيضًا أقرت أن الجائزة التي منحت لروبنسون كانت حدثًا مهمة للسود والملونين في بريطانيا- لاحقًا حصلت هي على جائزة كتاب العام- فبريطانيا التي تمارس، شأنها شأن بقية أوروبا، أنماطًا من هيمنة المركزية الأوروبية، لا تعترف بأنها دولة ذات تاريخ عنصري طويل وله ذيوله الممتدة، يحدث أحيانًا أن تكسرها توجهات بمنح الجوائز الكبرى لكتاب من خارج أوروبا، مثلما حدث مؤخرًا مع عبد الرزاق قرنة، الفائز تنزاني الأصل بجائزة نوبل.

روجر روبنسون

راشيل لونج

روجر روبنسون مع راشيل لونج: وكأننا بعوضة تواجه جودزيلا..

روجر روبنسون: أردت أن أبدأ بقصيدة للويس كليفتون، وعنوانها “ألن تحتفل معي”:

ألن تحتفل معي

بما شكّلت منه نوعًا من الحياة
لم يكن لدي نموذج ولد في بابل

كل من هو ليس أبيض أو امرأة

ماذا رأيت لأكون غير نفسي؟

أنا خلقته

هنا على هذا الجسر بين

لمعان النجوم والطين،

يدي ممسكة بإحكام

بيدي الأخرى

 تعال للاحتفال

معي كل يوم

شيء ما حاول قتلي

وفشل..

كل شخص أسود سبق وأن قرأت عليه هذه القصيدة فهمها تمامًا.. أن تكون كاتبًا أسود، فالموت الذي تموته كل يوم يتمثل في فكرة أنك دائمًا غير مرئي.. ويأتي هذا الاختفاء من الحط المستمر من قيمة السود، والذي يأتي أصلاً من الافتقار إلى التعاطف.. أنا معجب براشيل لأنها توفر دائمًا مساحة للكتاب ليكونوا مرئيين مع أوكتافيا..

راشيل لونج: جاء ذلك من وجودك في أماكن الكتابة حيث كنت دائمًا؛ وكامرأة سوداء، أي أقلية مطلقة، فأنت غير مرئي.. ولكنك تكون مرئيًّا أيضًا عندما يحتاجون إلى أن تكون متحدثًا رسميًّا أو مترجمًا.. في أثناء دراستي للماجستير، كان الأمر محزنًا، لأنه كان مكلفًا، وكنت أرغب حقًا في أن أجعل أمي فخورة بي، ولكنني شعرت بعدم الجدوى.. لكن الحمد لله في الوقت نفسه، كانت لدي هذه الحياة الشعرية الأخرى، بأكملها في فاعليات مثل “اقرأ ثم احرق” burn after reading ، وتفاح وأفاعي Apples and Snakes، حيث كنت أقابل نساءً رائعات، وكان لدينا جميعًا قصصًا متشابهة جدًا.. كان في تعاطفنا تجاه بعضنا بعضًا شفاء كثيرًا، لكن ذلك لم يكن كافيًا، لهذا أردت إنشاء مساحة لا نضطر فيها إلى التعامل مع أي من تلك الأمور.

روجر روبنسون: هناك شيء رائع في كونك كاتبًا أسود، وعندما تبدأ في إظهار نفسك تجد قوة كبرى.. وأنا أتذكر أنني في أثناء كتابتي لمجموعتي “الجنة المحمولة”، كنت أفكر في أنني “أحتاج إلى جعل السود مرئيين في الأدب، لأن ابني يحتاج إلى معرفة أن قصصه تستحق شيئًا ما.. وحياته تستحق شيئًا..”، لذلك شكرًا لك على إنشاء أوكتافيا وجعل الملونين والأسود مرئيين.. أعلم أن الأمر صعب، لكن الأمر لا يتطلب سوى عدد قليل من المحرضين الثقافيين لتغيير المشهد في العالم.. يخبرني الشباب أن “جنة محمولة” تمنحهم الإذن بالكتابة، فأقول لهم “لقد كتبته من أجلكم”.. آسف، لا أعرف لماذا أبكي.

راشيل لونج: لأن هذا ثقيل الوطأة..

روجر روبنسون: عندما يقللون من قيمتك، يمكنهم قتلك.. وقد حدث ذلك على مدى التاريخ كله، من زمن العبودية وحتى جورج فلويد، وهذا أمر ذو صلة بانخفاض قيمة العملة والموت والرأسمالية.. ككتَّاب، علينا أن نظهر للناس كم هم غير مرئيين لأنهم اعتادوا على ذلك.. فعندما يجعلوك مرئيًّا، يمكنهم أن يشوشوا عليك بأضواء لا تشبهك، تجعلك فاقدًا السيطرة.

أحد الأشياء التي أحبها في الفوز بجائزة تي إس إليوت هو أنني أسود للغاية.. لم أذهب إلى أكسفورد أو كمبريدج.. أنا الأسود الوحيد في القرية الأدبية.. لهذا أنا متحمس جدًا لكتابك.. أنتِ من نفس المجتمعات التي أتيتُ منها.. أنتِ تفهمين سياسة النسب إلى الأصول؛ إلى كل الأشخاص الذين سبقونا.. وتفهمين ما سنتركه للأجيال الشابة.

راشيل لونج: هناك أشياء كثيرة ممكنة، فقط لأن أشخاص مثلك فتحوا الأبواب والنوافذ وفتحوا حتى الكوات التي تدخل منها القطط، حتى لو شعرت أنك غير مرئي حاليًا، وعلى الرغم من أنه عمل شاق، فأنا أشعر أن شيئًا ما يتحرك.. أنا متفائلة.. هل كنت دائمًا تأمل في فعل ذلك؟

روجر روبنسون: أعتقد أنك لا تستطيع فعل أي شيء إلا أن تأمل في فعل ذلك.. أشعر وكأنني بعوضة تصطدم بجودزيلا.. لن أسقطك لكني سأعضك.. وصدقوا أو لا تصدقوا، لطالما كانت لدي علاقات مع الناس من خلال الشعر.. فأن تكون أسود، وذكرًا وتزن نحو 105 كيلو، يعني أن تعبيرك عن الضعف أمر نادر جدًا.. لقد أدركت، بغض النظر عن مقدار العنصرية التي واجهتها، أنني دائمًا ما تلقيت تشجيعًا من جميع الأجناس والطبقات.. لم أفكر مطلقًا في أشياء مثل جائزة تي إس إليوت.. لقد كان هذا عالمًا آخر بعيدًا عني.. في كثير من الأحيان، لا يكون الشخص عنصريًّا، بل هو حلقة عنصرية منهجية مغلقة.. وهذا ليس من صنع الأفراد، بل النظام.. قال لي محرر أبيض ذات مرة “لماذا يريد السود كتابة الشعر؟ إنه منتج تنتجه الطبقة الوسطى ليشتريه أفراد الطبقة الوسطى”.. حين سألني هذا السؤال كان يفكر كمحرر أبيض في أن “جمهور الطبقة الوسطى من البيض لن يشتري هذا”..

راشيل لونج: أود أن يتم التحقق على الفور مع هذا المحرر عبر publishingpaidme# [وهي حملة شعبية تكشف التفاوتات في أجور الكتاب على أساس عرقي] وكذلك عبر نقابة الكتاب السود.. أنا مندهشة من أن هذا التعليق صدمني، لأنني جربت أن يأتي بعض الناس إليَّ بعد الفاعليات الأدبية ويخبرونني أنه كان لديهم صديق أسود ذات مرة.. نعم! هاتولي تاكسي بسرعة!

روجر روبنسون: أعتقد أن الأمور تتغير.. أحيانًا يخطئ جيل الألفية البيض في الأمور المتعلقة بالعرقيات، لكنهم منفتحون على المحادثة.. لقد جئت من مدرسة فكرية تقول: لتكن هذه المحادثات سرية.. لكنكم، أنتم جيل الألفية تقولون”أحا لا! مش هسكت لك”، أنا أحب ذلك، فهو يغير نبرة ما يسمح لك أن تفعله أو تفلت به..

عندك على سبيل المثال روبي كور؛ امرأة هندية من جيل الألفية، وقد باعت 3 ملايين كتاب شعري عبر إنستجرام.. قبل أن تشارك في ألبوم بيونسيه Lemonade، وكذلك وارسان شاير لديها 60 ألف متابع على تويتر.. هؤلاء لا يفكرون في دار نشر فابر وفابر Faber & Faber، لم تعد هذه المؤسسات مراكز قوة بعد الآن.. وهذا هو التحرر.

راشيل لونج: أعتقد أن الشباب “طائفة”.. يتحدث برناردين إيفاريستو عن هذا كثيرًا؛ هناك الكثير من الضوء على الكُتاب الشباب لدرجة أن هذا يجعل الناس يعتقدون أننا نجعل الأشياء تحدث لأنفسنا، ولكن هذا يجعل الأمر يبدو وكأنهم غير منتسبين لأحد.. الكثير من الناس شاركوا قصيدتك “احذر” بعد مقتل جورج فلويد، لأنك تشير فيها إلى ركبة تضغط على الرقبة.. ما شعورك تجاه كونك نبيًا؟

روجر روبنسون: يبدو أن لينتون كويسي جونسون الآن كان يتمتع ببصيرة نافذة فيما يتعلق بالقصائد التي كتبها في السبعينيات والثمانينيات، ولكن هذا لأن العنصرية لم تختف قط.. يخرج ابني من فاعلية “شهر تاريخ السود” وهو يعرف الخراء الأمريكي فقط، بينما إنجلترا لديها بالفعل تاريخ واضح من العبودية والقمع والإضرابات المدنية.. وكأنه من المفيد والمقصود عدم تعريف الأطفال السود بتاريخ العنصرية في هذا البلد، وبالمشردين، وبالأشخاص الذين يُقتلون في نوتينج هيل.. إنجلترا تفضل استيراد العنصرية الأمريكية بدلاً من التعريف بما يحدث هنا.

راشيل لونج: أعتقد أن هذا هو السبب في أن فوزك في بجائزة تي إس إليوت كان حدثًا مهمًا وكبيرًا جدًا بالنسبة لنا، لأن الجوائز البريطانية لفترة طويلة تجاهلت ثروة المواهب السوداء الموجودة هنا.

روجر روبنسون: يمكنك فقط منحي هذه الجائزة لسبب واحد، بالنسبة لي، سيكون لأن أفتح هذا الباب وأقول “مرحبًا يا رفاق، هيا ننطلق!” لقد كنت دائمًا متحدثًا صريحًا، لذلك لا يوجد سبب لمنحي هذه الجائزة إلا لإجراء تغيير.. الكتاب لطيف نعم! ولكن كانت هناك بعض الكتب الرائعة في تلك القائمة؛ إيليا كامينسكي، وشارون أولدز، وفيونا بنسون..

كان لديهم بعض القتلة، لكني أستغل فرصة هذه الخراء لإجراء بعض التغييرات الكبيرة في الحياة.. لطالما كنت مهتمًا بجيلك؛ برأيك من هم الكتاب السود أو الملونين الذين يجب أن نبحث
عنهم ونقرؤهم؟

راشيل لونج: يوجد ممتازة مهري، وأمينا جاما، وجبوييجا أودويانجو، هؤلاء رائعون..

من برأيك الكاتب أكبر سنًا الذي يجب أن يسمع به المزيد من الناس؟

روجر روبنسون: عندك على سبيل المثال جاكوب روس؛ فهو لم يحصل على ما يستحقه.. وكتابه أمطار سوداء منهمرة Black Rain Falling رائع بشكل لا يصدق.. لكن لجميع الأسباب التي تحدثنا عنها، فقد ظل غير مرئي..

غلاف ديوان الجنة المحمولة للشاعر روجر روبنسون

الجنة المحمولة

إذا تحدثتُ عن الجنة

ثم تحدثتُ عن جدتي

التي قالت لي أن أحملها دائمًا

في داخلي

وأن أخفيها

فلا يعرفها أحد سواي

قالت إنه بهذه الطريقة لا يمكنهم سرقتها

وإذا وضعتك الحياة تحت ضغط

تتبع نتوءاتها في جيبك

شم رائحة الصنوبر على منديلك

همهمة نشيدها تحت أنفاسك

وإذا كانت الضغوط مستمرة ويومية

اصحب نفسك إلى غرفة فارغة

 سواء في فندق

أو نزل أو كوخ

وابحث عن مصباح

وأفرغ جنتك على الطاولة

رمالك البيضاء

تلالك الخضراء

وأسماكك الطازجة

سلط المصباح عليها

مثل أمل الصباح الجديد

واستمر في التحديق إليها حتى تنام