اللغم.. كيف تنقذ فنًا يندثر؟

إبراهيم عباس

نتابع الأثر الباقي من رحلة غريبة، صاحبها كان مترددًا في حكيها من الأساس. تعود حكاية هذا المشروع إلى عشر سنوات مضت. أراد إبراهيم عباس أن يقديم مشروعه مثلما صوّره: مغامرة فنية. لا يريد أن يشرحها أو يكشف أسرارها. كانت البداية مع تردده على قرى الكلح (مركز إدفو، شمال محافظة أسوان) في 2001. يقدم مؤسس جمعية المنتحرين القدامى، وعضوها الوحيد إبراهيم عباس لمجتمع مدينة لعبة فنية، تستمتعون بفك ألغازها وشفراتها. في هذا التسجيل يتحدث واحد من المؤدين أن هذا الفن “سيندثر ولازم نندثر”، كأن المسألة قدر محتوم لا مهرب منه.. قبل عباس لم ينشغل أحد بتسجيل هذا الإرث الحيّ أو ترك رسالة حوله. كما لم تتعلم أجيال جديدة فنون غناء اللغم، هذا الفن الذي يعتمد على أصوات الحنجرة وحدها. نسمع هنا موسيقى تحركها أصوات الأنين، حيث يختفي الكلام ويتبخر لنصغي للأنَّ. تغطس المفردات داخل الأصوات البشرية كأن لغمًا قد توارى وسط الهمهمات. موسيقى الجنوب المصري متنوعة، تختلف ألوانها في التعبير عن طقوس الفرح والحزن.. كيف ينتج الجنوب موسيقاه؟ وهل تغيّرالتعبير عن موسيقى على مدار تاريخ سكان الصعيد؟ يعتمد الكف، أشهر فنون هذه المناطق، على صوت ضرب الكفَين، لكنه تطوّر ليدخل أدوات موسيقية إلى جانب صفَقَات الأكف ليضم أصواتا للدق على الدُفوف. حول هذه الموسيقى وفنونها وتاريخ تطوّرها كتب إبراهيم عباس هذه الشهادة المختلفة متنقلاً بين العامية والفصحى بحثًا عن الأسباب الخفية لرحلته التي كشفت كل هذا الجمال أقصى جنوب البلاد.

(ماكانش قصدي) 1

على قهوة الندوة الثقافية في أحد الأمسيات وكما يحدث عادة. جلسة تجمع بين جيلين من المهاجرين الجنوبيين؛ بعضهم من الجيل الأول، والآخر من الجيل الثاني 2 (أبناء المهاجرين) . كالعادة دون مقدمات تقريبًا يطفح الحنين ربما أو غيره إلى حوار جماعي عن روعة الجنوب، جماله، وأصالته، وبالطبع فنه وموسيقاه تشتعل الشرارة من محمد بشير 3 وأنا إلى جواره عن رغبة في تقديم كبير موسيقات أسوان العربية، وليست النوبية  -الكف- والشكل الأكثر انتشارًا فى كل شبر تقريبا فى أسوان المتحدثة بالعربية. تبدأ الرحلة بطموح أولي لجمع وتوثيق الكف ومع الوقت تنزلق الأهداف رويدًا رويدًا إلى معرفة فن النميم 4 وبالمصادفة فقط الأنين (اللغم). مع الوقت يخرج بشير من اللعبة تاركًا العبد لله وحيدًا مندهشًا وماضيًا فى مشوار جمع وأرشفة ما تيسر من الليالى وإعداد وترتيب بعضها وجاهلًا، ربما إلى الآن، بالهدف من هذا الجمع . فيما يشبه الهوس كنت مجذوبًا ذهابًا إلى أسوان لالتقاط كل ما تصل إليه عدسة الكاميرا وشرايط الفيديو ماركة مينى دى فى (MiniDV) ولعدة سنين.

1

– كاتب هذا المقال ليس متخصصًا أو دارسًا للفنون بالأصل .و تأخذ هذه الآراء علي إنها إنطباعية بالأساس. لذا وجب التنويه.

2

– محمد بشير وأنا من الجيل الثاني للمهاجرين .الفارق أن بشير كان أكثر قربًا وترددًا علي الرمادي بينما كانت علاقتي أكثر تأخرًا . زرت أول مرة قريتنا و أنا طالب في الجامعة.

3

محمد بشير فنان مصري. يقدم أغانيه في ألحان عصرية مستندًا إلي موسيقات و“كلامات“ التراث الجعفري الأسواني.

4

النميم شكل من أشكال الفنون منتشر فى أسوان غناء فردي بلا موسيقى أشبه بمناظرة شعرية تستخدم أربعة أسطر، يقال أنه نقل من الحردل .. السودانى الذي نقل بدوره من الدو بيت الفارسي.

خطوة للخلف

لو تركنا جانبًا موضوع أبناء المهاجرين. ما الذي يدفع مواطن ابن مدينة كالقاهرة إلى هذه الرحلة؟ وما الذي يعرفه أصلًا عما أطلق عليه اصطلاحًا الفنون الشعبية؟ الذى أعرفه وكأغلب أبناء جيلي يأتي أولًا من الميديا. ولضيق الحال الراديو أولاً. لم يكن في بيتنا تليفزيون، دخل بيتنا أواخر السبعينيات. كان الراديو في هذا الوقت وبعد صلاة الجمعة المُذاعة مباشرة وفي جو يوم الجمعة الاحتفالي (يوم الأكل الكويس “أبوك في البيت” والبيت نضيف والستاير نازلة وكمان ريحة بخور) . ينتهي بث صلاة الجمعة وكتدرج من المقدس إلى الغير وبعد انتظار الراديو لما يَسخَن. يصدح فجأة محمد الكحلاوي بأغنيته خالدة الذكر “لجل النبي” بعده مباشرة برنامج أنغام من بلدنا مع الأستاذ السيد علي، وهوبرنامج قصير خمس عشرة دقيقة لا غير، أغنيات ومواويل أو حتى جزءًا من السيرة . مقدمًا لجمهور مصر مجموعة من المُغنّيين الشعبيين الذين سبق أن قدمهم الأستاذ شوقي جمعة في برنامجه التليفزيوني “الفن الشعبي”، هُم هُم طابورالمداحين و المؤديين والمغنين وعازفىِ الرباب ومغنّو الغجر الذين حشدهم للمرة وربما الأخيرة الأستاذ زكريا الحجاوي 5 بعد ميلاد مصلحة الفنون (يحيى حقي كان أول مدير لها). بتوجيه من عبد الناصر شخصيًّا، ربما كان مُحرجًا من تيتو ونهرو وأصدقاء عدم الانحياز الذين يقابلون ناصر مرات باحتفالات بها أجزء من موسيقاهم الشعبية. ولأن اللهجة مفهومة لأنها لم تنقطع عن لسان الأبوين والأقارب وظلت تسمع وتقلد أحيانًا- نسج كل هذا خيطًا رفيعًا لعلاقة مع هذا الفن أو الفنون. ويشتد الخيط متانة ممتدًا إلى شارع محمد علي وتسجيلات الأمير وهناك في صندرة المحل، منحنيًا تقريبًا شاريًا ما أقدر عليه من كاسيتات أغاني صعيد بلدنا. هذا ما كان مع ابن إمبابة البار لأصوله! أما من ناحية الآخر كمواطن يتحرك على هامش الثقافة أتعرف على “حجاوي” أحدث وأقل رسمية، الأستاذ حسن الجريتلي مؤسس وصاحب ومدير فرقة الورشة. يقدم الجريتلي طابورًا آخر، منهم من كان ولا يزال حيًا من طابور الحجاوي ومنهم من هو حصري له (Exclusive)!

5

يحضر يحيى حقي وزكريا الحجاوي، الأخير صاحب عدد كبير من التحقيقات عن الحرف والصناعات اليدوية، والذي كتب للإذاعة أعمال درامية متأثرة أو ناقلة للحكاوي الشعبية وفنون مثل “كيد النسا“ و“أيوب وخضرة“، ولتقديم هذا جاب القطر المصري كله ليصبح أطلسًا للفنون الشعبية.

النصر الكبير

كخاتمة لهذا الموضوع وجب التنويه، أن الفن الشعبي 6 ومع تحولات السبعينيات من القرن الماضي، متسربًا من الباب المفتوح للانفتاح يدخل الملعب الواسع لكازينوهات شارع الهرم ونمره دائمة فى أفراح الأنجال. وكان النصر الكبير هو السينما (سينما المقاولات لامؤاخذة) يظهر فيها مرارًا الريس متقال قناوي حاملاً ربابته وقوسها معلنًا بصوته الجهير أنه من اليوم أصبح للفن الشعبي درع وسيف.

6

الفنون الشعبية هى شكل من الأشكال الفنية أو الموسيقية التي تخرج من الشعب بلا مؤلف أو ملحن مذكور..هي يعني مشكلة حقوق نشر!؟ أو الفن فى شكله الأولي دون تدخل لقواعد من خارجه ولسوف تستخدم هذا المصطلح رغم عدم اتفاقى معه.

الأنين ..أسئلة أكثر منها إجابات

اللغم أو الأنين يبدو للسامع للمرة الأولى، ولي حتى الآن، غريبًا أو دخيلًا عن معظم الأشكال وأنواع الفنون المصرية. وقد أكد لي بعض الباحثين وكذلك أستاذان في علم الموسيقى الشعبية المصرية، رغم عملهما في أسوان لسنوات عديدة، أنهما مع هذا الرأي، فضلًا عن عدم معرفتهم بالأنين من قبل أن أعرضه عليهما، ولكي نحاول أن نصف هذا الفن نبدأ باستعراضه شكلًا ومضمونًا، وهما متشابكان. الأنين من اسمه يكشف عن موضوعه، غرضه الأساسي أن يقول وجعه. الموضوع شائع في الألوان المصرية؛ فشكوى الزمان منتشرة في مصر مثل النار في الهشيم وأغاني الحزن والفراق والعديد رجوعًا إلى جلجوثات 7 الكنيسة أو حتى أقدم ما نعرفه عن الشكاوى: شكوى الفلاح لفصيح الفرعونية. يمتد تراث الشكاوى إلى الكنيسة، إلى ابن عروس، إلى مواويل عدوية 8 حتى أحمد شبيه “آه لو لعبت يازهر”.

7

جلجثة: لحن كنسي حزين، يقال في الجمعة العظيمة.

8

الموال: يأتي الموال في عدة أشكال يتحدد كل منها بعدد الشطرات، التي يشتمل عليها، فمنه ما يشتمل على أربعة شطرات، ومنه يشتمل على خمسة (الأعرج)، أو ستة أو سبعة (السبعاوي) أو تسع. راجع كتاب دكتور محمد عمران سيد المغني الموال

الإسم

بحثتُ كثيرًا عن معنى الكلمة ولم أجد ما يمكن أن يتمّ عبره تحميل هذا الاسم لأي معنى. يقول أصحابه إن لغم هو تحريف لكلمة نغم، يمكن قبول ذلك، وعندما نعرف لاحقًا أهمية النص في الفن سوف يمكننا تقبل الرأي. السؤال فقط هل يمكن أن تنقلب النون إلى لام؟ في العربية ممكنة، وتبدو مقبولة، في القبطية أعتقد لا.

لا آلات موسيقية مصاحبة

في مصر الكثير من ده؛ المواويل، الواو، النميم، الحدي 9 وأغنيات الصيادين، أو ما يُسمى بالأغاني المُصاحبة للعمل (غنا الشادوف وجمع القطن وحتى البنائين وأغانيهم). هنا يأتي تفرد، في الأنين يقوم القَوَّال 10 (المُغنّي) الرئيسي بالغناء صانعًا ما يشبه الحلقات الدائرية من النغم أو الأنين. يقوم صاحبه بفرش ما يُشبه الطنين أو (humming ) من طبقة صوتية أعرض من طبقة القَوَّال وكأنه صدىً له ممسكًا بالنغمة الأصلية.. وهذا أداء غريب عن أي من الأداءات في بر مصر. ولا يوجد، على حد علمي، في مصر شكل يشبه أو يقترب من هذا التركيب.

9

الحدي: تعنى حداء الجمال، وهو شكل منقرض، سمعه المصريون في فيلم الهروب (عاطف الطيب 1988)

10

فى مصر يكون التركيب قَوّال، واحد قوال وكورس، كورس مجموعة قوالين. ممكن يكون القوال الثاني أكثر من واحد شبه الكورس بس ده نادر. يوجد ثلاث قوالين من نغمة واحدة (كوارس) في طريقه أداء عبد النبي الرنانومن خلال سؤال القوالين نفسهم أنه لازم له اتنين وهذا موضوع آخر للدراسة.

الحرف

مما سبق لا يبدو هناك مركزًا أو ثابتًا في الأداء. الثابت هو الحرف أو القافية،  يقول: “بيًّا جروح ما مطاقة”، ليرد عليه الآخر:”حَطَوه بلا شباك ولا طاقة “مكان لا فيه شباك ولا طاقه المقصود القبر، أو “بقى عاطل كبير سنه”، يرد عليه: “ناس كانوا عُجَال للضيف لا قعدوا ولا اسنوا” (أي استنوا). سطر واحد بسيط، يستغرق المؤدون في الإطالة وتقطيع الحروف وإدغامها أحيانًا أو مَطَّها أحيانًا في لعبة صوتية، صانعين ما يشبه الدوائر المتشابكة من النغم. تلك اللعبة الصوتية من القَوَّال وصاحبه تكرر مرات قد تطول أو تقصر فتقتل الكلمات تقريبًا وتختفي عن السامع في حلقات وحلقات من الأنَّ (الأنين).  يبدو اللغم غريبًا شكلاً وموضوعًا، بعيدًا عن معظم الأشكال المعروفة والمتدوالة في سوق الفن الشعبي. يظنه السامع أقرب إلي العَديد أو ترانيم الألحان الحزينة في الكنيسة القبطية، لكنه بعيد كل البعد. هنا تطرح أسئلة أكثر عن أصله ومن أين أتى؟ ولماذا ظل حبيسًا في عدة قرى صغيرة لتنجح لعبته في قتل “كلاماته” محققًا هدفه للاختفاء عن السامع، و قريبًا ربما مختفيًا من الحياة.

المكان .. الزمان.. الناس

في مدة البحث لم أعثر قط على الأنين يقال خارج قرى الكلح (شرق النيل وغربه). تقع قرى الكلح، وأركز هنا علي قرى كلح الجارة و كلح الجبل، وكلح الكرنك (غرب شمال أدفو) وكلح المفالسة بالشرق. قرى الكلح كما يبدو من اسمها مجموعة صغيرة محدودة الملكية الزراعية ومعظم أهلها مزارعون. رابط النسب يجمع بين هذه القرى فالجذور القبلية تمتد كلها إلى قبيلة العلقيات وبعضها أنصار، بحكم الجغرافيا تقع قرى الكلح (الغربي) على مرمي حجر من عاصمة أول مصر موحدة (نخن) الكوم الأحمر (البصيلية حاليًا).  بسؤال أهم القّوَّالين في البحث أشاروا إلى أنهم عليقات، وهم: عبد الرزاق هلالي، كان فوق السبعين وقت البحث. مزراع من كلح الكرنك. لا يعرف من أين تعلم اللغم و يقول إنه وأصحابه مخترعوه. محمود الجعياص. ثلاث و سبعون عامًا. مزارع من كلح المفالسه. علقيات من غطيس .لا يذكر له أستاذًا  يغني مُنفردًا اعتمادًا على أن يسنده (يصاحبه) أي من الحضور. علي شمندي كان في أواخر الخمسينيات، علقيات. مزراع، يغني مصاحبًا لعم عبد الرازق، خجول جدًا وقليل الكلام.  عبد النبي بازيد، ثلاثة و خمسون عامًا، من كلح الجاره، ويعمل بمصنع السكر في البلدة. تعلمه من الكبار. اللي سبقوا، هكذا قال. علقيات مع أنه لا يحب ذكر موضوع القبائل. هؤلاء الأربعة هم أهم أو آخر القَوَّالين، وهناك مجموعة أخرى يصاحبونهم أحيانًا في القول، معظمهم يسمع ويقلد ولا يمتلك ما يكفي لقَوَّال.  بدأنا أولى زياراتنا لأسوان في مطلع القرن من بدايات عام 2001 و استمرت حتى بدايات 2010.
قبائل العلقيات 11 و كذا الأنصار منتشرة في العديد من قرى أسوان. لم أستطع العثور على أي قَوَّال آخر خارج القرى المذكورة، مما يُعطي انطباعًا بأن ليس هناك علاقه إثنية باللغم. تتميز قرى الكلح بنطق حرف الجيم دالًا. مثله مثل الكثير من الألوان المصرية، عندما يجتمع فنانون أو أكثر يهرعون إلى التناظر، يستعرض القَوَّال وصاحبه كل مهارتهم، محفوظة كانت بالأغلب، ومرتجلة في القليل، لإعجاز مناظريهم ليعجزهم عن التمسك بالحرف (القافية). الجمهور عنصر لا وجود له في اللغم. المؤدون هم جمهور أنفسهم، ومن ثم يمكن أن نضمه إلى غناء الونسه. بدأت رحلة البحث في مطلع القرن الواحد والعشرين وبالتحديد في أبريل 2001 واستمرت إلى بدايات عام 2010. الأعوام من 2002 إلى 2008 كانت أنشط الأعوام في التسجيل والجمع. لحظات كثيرة في هذه الأعوام كانت الدهشة والغربة عن المسموع دافعًا لترك الكاميرا في حقيبتها، محاولًا الاستيعاب في أول الرحلة تركها للاستمتاع فقط في آخرها.  الانتقال من قرية إلى قرية وإن كان لكيلومترات قليلة رحلة في ذاتها. تتغير اللهجة قليلًا أو لفة العمام وعمارة البيوت أحيانا وتسليمك من يد إلى يد في زفة مختصرة (لزيارة غريب) حتى بيت الفنان المقصود، من أمتع الأوقات كانت. عبد المقصود عبد الكريم هو الدليل الميداني والشخص المسؤول عن التوصل إلى ما نبحث.. يقوم بالمقدمات والتعريف بنّا للفنان المتشكك في الأغلب، من نوايا أصحاب الكاميرات. هذه مهمة شاقة لأي شخص بالطبع إلا عبد المقصود، فكونه عازفًا للعود منذ أكثر من خمسة عشر عامًا صاحب الكثير من فناني الكف. كان  وجهًا معروفًا ومألوفًا للجميع على السواء، من أغلب شباب القرية وطبعا فنانيها. صاحبنا مقصود طول الرحلة ولا نزال أصدقاء، مناسبة هنا لشكره عن مجهوده وكرم ضيافته لعشر سنوات.

11

من ذرية مسلم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وعرفنا أن ولده عبد لله ابن الجمحية قد أعقب خمسة رجال منهم إبراهيم دخنة بن عبد الله بن مسلم وقد أعقب إبراهيم هذا عليًا، وثلاثة آخرين مات بمصر سنة 341هجرية، ومن علي هذا جاء إبراهيم العلق رأس العليقات. راجع كتاب قبائل العليقات والجعافرة لأحمد لطفى السيد.

خارج السياق

Torrent  توارنت. في سوق داروا للخضار يقع دكان مصطفى الحلاق؛ محل صغير بداخله شخص يبدو أصغر. كرسي حلاق متهالك شبح مرآة على الحائط و بنك جانبي صغير. عليه مسجلَين ماركة ناشيونال دون أبواب. مصطفى هو الهاوي الأول وكبير مشجعي الكف والنميم. قلب عملية المبادلات (file sharing) الإنساني لتبادل الأشرطة المسجلة يدويًّا من الليالي، ومجالس جَرّ النميم. يأتي عادة صاحب الشريط يتبعه صديق طالبًا نسخة. يقوم مصطفى بالتوفيق بينهما ونسخ نسختين واحدة للطالب وأخرى له. يأتي لاحقًا هواة آخرون (مثلي) فيعرض عليهم مصطفي أرشيفه للاختيار، تأخذ نسختك بعد وقت قليل وبدراهم معددوات.

أنت معنا.. ولا؟

منذ بداية الرحلة و حتي توقفت عند دخولي للمكان وأول ما أفتح بوقي يعتري بعضهم الدهشة. أملك نفس الملامح ونفس التكوين الجسماني ولون البشرة كأني، بل أنا، نسخة منهم. اللبس واللهجة قاهريان، والأسئلة تكشف عن جهل بالبلاد. كان هذا محيرًا ودافعًا لسؤال متكرر: هو أنت منين يا أستاذ؟ والإجابة: أبدًا أصلًا من هنا.. بس مواليد مصر!

عودًا على بدء

في هذه الرحلة والتي امتدت إلى عشرة سنوات وعلى حوافها. لاحظت أن الكف هو أكثر الأشكال الشعبية شيوعًا في مصر، ويكاد يكون حاضرًا أينما كنتُ في مصر. الكف السنياوي، الكف الصعيدي، البشارية، وممكن حتي الأراجيد النوبية. خارج مصر ينتشر أيضًا في معظم البلاد العربية بقليل من الصبغات المحلية. يكاد يكون رابطًا مصريًا أو عربيًّا مشتركًا.. ولهذا أتخيل لو حصل، وأن أصبحت هناك دولاً عربية متحدة، أن نستخدم الكف لسلام وطني.