المرح لا الأمل

عندما أكل الناس كتالوج الثورة المهذبة

وائل عبد الفتاح

لعب على صورة حسن نصر الله في خطبة تهديد المتظاهرين

صورة الغلاف والألبوم:وسام متى بالإتفاق مع موقع بوسطجي والمقال ينشر متزامنا مع موقع ميجافون

الخبر الجديد

لم ألحظ علم حزب الله في الفراغ الذي خلف حسن نصر الله.. فراغ أزرق لا يزاحمه سوى علم لبنان. هل يتكرر هذا التصميم كثيرًا. أم أنها عدوى الحراك/ الثورة/ العصيان؟ هي عدوى فعلًا؛ لدرجة أن السيد كان يعاني جفاف الحلق واللسان، وهو الخطيب المفوَّه. أمير أمراء الخطابة فيما بعد الثمانينيات. ربما كان وحده تقريبًا في مسابقات “سوبر ستار “الجماهير التي تنتظر بطولة.
السيد في دور جديد، سلطوي خلَّفه فراغ لم يعتده. بلا زهوة المقاومة.. بعد رحلته المثيرة لإنقاذ بشار. ها هو ذا؛ سلطوي كامل الأوصاف في خطاب مستعار بالكامل من مواريث السلطوية العربية الرشيدة، وبعدما كان محتكِرًا للمقاومة يقف في صف واحد مع خصومه، معلنًا احتكار السلطة. مدافعاً عن مشاريع النيوليبرالية في نسختها “الركيكة”.

هل جفاف الحلق له علاقة أن السيد حسن يلوك بضاعة منتهية الصلاحية؟

 ترتفع حدة الإرتباك عندما يستخدم الـ “نا” الجماعية.. تخص من هذه الـ”نا”؟ لا بد أنه كان محتاجًا إلى تدريب على خطاب جديد؛ فالهندسة السياسية والإجتماعية تغيَّرت، والزمن لم يعد كما كان قبل 9 أيام.

كيف تغير الزمن؟

لم يعد هناك مجال لترميم الصيغة التي حُكِم بها لبنان (كجزء من خطة سايكس وبيكو للمنطقة). أيامها كانت حصص الطوائف حلًّا.. لكنها الآن لم تعد فاعلة. ليس من الممكن أن ترممها فانتازيا المقاومة، أو حتى رعاية “سيد المقاومة” لأحلام الجنرال السعيد بأمجاد لم يعرفها سواه…هذه “السيادة“و“التسيد “ علي قائمة الإنقراض…من جعلكم أسياداً؟ نسأل بضمير المتفرج ؟ ومن هم العبيد أذا كنتم زنتم الأسياد رعاة الأمجاد وحدكم؟…وهل هناك ركاكة أكثر من أن تتلخص خطة إنقاذ تحالف “المصرفي مع الشيخ البطل والجنرال العجوز “ في : ترقية لبنان إلى مصاف شقيقاتها من السلطويات المنقرضة.

الترجمة

خلطة هي أكثر من كونها تحالفاً ، وماضي لايريد أن يمضى؛ لا يمكنه أن يكون مستقبلاً إلا للإستثمار في الخراب.

خراب…؟ هل بعده شيء ؟

….؟

لا تضحكني طقوس إعلان الولاء للخميني وخامنئي في قلب بيروت. أو استعارة الحريري الصغير ثقل روح تركي آل الشيخ. لا تضحكني ولا تبكيني. تثير فيَّ مشاعر أعرفها جيّدًا؛ مزيجًا من السأم والغضب المضغوط، وقليلاً من عدمية محببة في مواجهة جدية العالم السلطوي؛ خصوصًا وأن استعراضاته التي يوغل منظموها في حشوها بالمعاني لا تصطاد عندي سوى الهلس.

بمعنى آخر

نعم الجدية الفارغة؛ القاسية؛ جدية الزعماء وقدرتهم على الأمر والنهي.. الموعظة والحنان.. وكل ما يتطرفوا فيه ليثبتوا أن صيغتهم ما تزال فاعلة.. مع أن مقاعدهم مُعلقة في فراغ، وجمهورهم تآكلت أرواحه.

وماذا يحدث الآن؟

كل هذه الجدية تتفكك أمام مشاهد الخروج الجماعي.. تخيَّل كيف أخفى أمراء الحرب والطوائف في لبنان التياترو الكبير؟ مبنى كامل تحت طائلة الإخفاء. كما هي طرابلس المعزولة بحكايات جدية عن أهلها. هؤلاء أنفسهم الذين يقفون في ساحة واحدة ينادون على مدن ومناطق في لبنان؛ تهجي المعرفة. الجغرافيا لم تعد كما خطَّها ملوك الحصص.
جغرافيا جديدة يصنعها مرح فالت من الواقع ومن الأمل ذاته. الأمل جدية بديلة، سير في طريق يحمل الوعود والنماذج بكل مسارات القسوة التي تحوِّل مجموعات التحرر إلى مافيا. دقِّق جيدًا وسترى أن عمود المؤسسات السلطوية كلها هو حشد الناس وراء أمل له شكل المؤسسة الدينية أو السياسية.. دولة تغزو العالم. أو دين يحشد الناس بأبواب الجنة. ومنهما تتوالد مؤسسات تلو مؤسسات؛ تؤسس أنظمتها الهرمية. أبطالها. آلهتها المقدسين. إبليسها المرجوم. وكل باحث عن الأمان يخفي نفسه في هذا الجسد المبني بإحكام.

بمعنى؟

الصور من لبنان عرفتني إذن لماذا كتبت ذات يوم: المرح لا الأمل.. كيف نشعر بلذة لهو الطفولة ونحن نرى الأصنام تتحطم، ليخرج منها أجساد صغيرة تعلن فرحتها بالشارع، وتعيد بناء جسدها الحي في الشارع. هل رأيت طائر الفينيق العائد من رقدته؛ الجنرال ميشال عون بعد أن صار حطامًا سلطويًّا. هل رأيت السيد حسن وهو يطارد صورته كبطل مهيب يحمل الرمح قبل لحظة من غرسه في جسد العدو. صورة بهتت مع الزمن، وهي التي طالما لعبت على تثبيت الزمن عند لحظة البطولة.. هذه فقرة المرح في سيرك المتوحشين، حيث تتحطم الفانتازيا سريعًا.. هذه فقرة تمزيق كتالوج المواطن الصالح. ابن طائفته المتماهي مع زعيمه المخلص لتعاليم كأنها القدر.

هذه الفقرة جديدة.. بلا كتالوج…هذه الفقرة يأكل فيها الناس كتالوجات الوعظ  والإرشاد وإخفاء الذوات…على مهل…علي مهل جداً