إنستجرام حلا شيحة

لماذا انشغلت المدينة بملابس حلا شيحة؟

وائل عبد الفتاح

إعلان عن بكاء الشيخ محمد الصاوي،وبالغطاء المجنح

الخبر

حلا شيحة خلعت الحجاب/بعد النقاب، وعادت للتمثيل بعد 12 سنة من الاعتزال.

قبل الخبر 

غطاء رأس الشيخ يحميه من شيء ما. تعرَّض قماش الغطاء إلى مكواة ساخنة صنعت ثنية حادة، بدا مع ارتفاعها أنها ترفرف لحماية جسد الشيخ، أو لحمل رسالة منه قبل الطيران. يذكرك رأسه براهب أو ربان يتقنان إحاطة الرأس بكل ما يشير إلى نوع من الانضباط الرقيق والأنيق، يضيف إلى الرأس سمت أصحاب مهام قادمة من مكان آخر…
 كان هذا الانضباط لافتًا أكثر من دمعتين صاحبتا تهدج صوت الشيخ وهو يوجه رسالة إلى حلا شيحة: عودي.

 

قبل الخبر 2

عادت ابنة صديقي سعيدة من المدرسة. أصبحت في الخامسة عشرة، وتلفت الانتباه إلى أشياء أخرى غير تفوقها في ألعاب ورياضات الطفولة، ورغبتها في اللعب إلى ما لا نهاية. بدأت تحكي عن محبتها لمعلمتها الشابة؛ تفاصيل كثيرة في لطف وحنان ذات الخمسة وعشرين ربيعًا. تبدو أختًا كبرى، وصديقة حميمة، ولذلك فهي تسمع كلامها، وتبجل نصائحها، وخصوصًا تلك التي تحذرها من “الأولاد”، وضربت لها ولمحبيها من تلميذات فصلها، مثلًا في صيغة سؤال وأمثولة “عندما تذهبين إلى الحلواني، وترين قطعة كيكة عارية، هل تشترينها أم تشترين المغلفة المحفوظة في مكان أمين وصحي” ابنة صديقي فرحت بالمنطق الذي تواجه به أسئلتها وحسمت ترددها وحيرتها: سأشتري الكيكة المحفوظة.

صعقت من تحول الوردة المفتحة التي عرفتها من عمر ال5 سنوات، ووعيها يحمل صورتها المنتظرة “كيكة مغلفة”.سلعة تنتظر بسلوفانها الفتى الصالح.جسد مقدس ينتظر مالكه الذي لايحب استعمال الآخرين لبضاعته، ولو عن طريق النظر.وعي يتم تناقله بخفة ورشاقة تعاويذ الحياة المثالية،وهي نسخة معدلة من تعاليم تنظيمات تبدأ سيطرتها من الجسد ،وتلقي قبولاً واسعاً من الغارقين في خرافة “ الذكورة الشرقية” التي تقوم على إمتلاك،وملكية جسم المرأة ، وتنتقل الملكية من الأخ ومنهما إى الزوج ويرثها الإبن.

وهذه الرجولة الشرقية لها غطاء ديني يشبه الغطاء الطائر للشيخ ، وهما الرجولة الشرقية والشيخ معنا في رحلتنا وراء الخبر .

قبل الخبر 3

أول مرة ألمح فيها محجبة في الشارع كان في مدينة ليبية. كنت في صحبة عائلتي في رحلة عمل طويلة (نهاية السبعينيات) وسألت: ما هذا الكائن الغريب؟ جسدها ممتلئ وطري، بدت لي ملثمة من ملثمات صحراء الطوارق، لكن لا علاقة بين رشاقة عابر الصحراء والكرة المحجبة. كان الحجاب بالنسبة لي مثل زي رواد الفضاء؛ يخفي الجسد وينقله الي وضع آخر؛ وضع الاستعداد للخطر. لم يرد أحد بإجابة كاملة، فقط همهمات حول تدينها، وتطرفها، وغرابتها. المرأة كانت المقصودة ولم يكن هناك كلام حول الإسلام. كنت وقتها لم أزل طالبًا في نهاية المرحلة الإعدادية، وكنت أرى أمي مثل بقية النساء؛ بفساتين عصرية. دون أكمام أحيانًا. وفوق الركبة بقليل أحيانًا أخرى. أصبح المشهد في الذاكرة تمامًا. وربما احتفظ بصور أمي ليس بدافع شخصي فقط بل لأنها تمثل زمنًا أصبح بعيدًا…
تحجبت أمي عندما اقتربت من نهاية الخمسين. والمسافة بينها وبين صورتها الشابة لا تعبر فقط عن سنوات العمر، بل عن حركة الواقع. كانت تناوش من أجل حقها في المساواة؛ نزلت إلى العمل في سنوات صعود الثورة (آخر الخمسينيات وأول الستينيات) لكن ابنتها (شقيقتي) تجلس في البيت، وترعى الأولاد، وتضع صورتها بالحجاب إلى جانب صورة زفافها بفستان نصف عار علامة على عهد “السفور”.

والآن ما الخبر؟

تحول خلع حلا شيحة للحجاب إلى حرب كاملة الأوصاف. حرب من زمن أصبح غابرًا، كانت السلطة فيه تترك جانبا من الطلة في الأسفل للإخوان المسلمين، وشقيقاتها من جماعات تطلب الاعتذار عن الحياة الحديثة. وتعتبرها دليل دخول الناس “الإسلام” من جديد. السلطة الآن لا تدير الصراعات، لكنها تصادرها جميعًا لصالح “قبضة غشيمة” لا تفرق فيها بين أحد الأطراف إذا تعدت المعركة كونها فقرة “تمضية الوقت” أو التسلية المباحة في استحلاب الحنين إلي سنوات يعتبرها كل طرف زمنه المفقود.

مرة أخرى:أين الخبر؟

لماذا أثار خلع حجاب حلا شيحة بالذات كل هذه البكائيات؟ السؤال هو الخبر. بعيدًا عن قوائم الجدل حول الحرية الشخصية، والعودة من القرون الوسطى إلى آخر هذه العناوين المكررة كتعاويذ تمنع النظر والكلام، فاللوعة التي تكلم بها نجوم لامعة خرجة من عزلتها خصيصًا لترسل استجداء “بالله عليكِ لا تجعليهم يشمتون فينا” (حازم شومان) و”عودي يا توأم الروح” (خديجة الشاطر)، هو فقدان قطعة من أرض المعركة. قطعة متقدمة كان اقتناصها ثمينًا. يفعلون ذلك في لحظة لا تترك السلطة أرضًا لأحد…لماذا البكاء؟ هل هي العودة من “ إستقواء “ متخيل سريع ؟ أم العودة إلى مظلومية “ الإسلام غريباً..”؟

مشهد قديم عمره 14 عاماً

“الدرس كان شديد قوي النهاردا” عادت زوجة الموظف الكبير في البنك وحكت للعائلة عن احتفال حجاب حنان ترك، والموظف حكي للنجم الجديد العائد من العمرة. كانت الشيخة في قمة قسوتها؛ تعرف حالة زبونتها النجمة، وتلتقط ارتفاع درجة التمزق، ضغطت الشيخة على طريقتها، اختارت قائمة طويلة من آيات التعذيب في القرآن، وركزت على فكرة السمع والطاعة “إن سمعتم فأطيعوا” لحسم موقفها المتذبذب، وفجأة شكلت المحجبات دائرة حول حنان ترك التي ترتدي «سالوبيت جينز» وبجوارها حلا شيحة، وتبرعت صاحبة البيت بالإسدال، وشاركت جميع الحاضرات في طقس ربط الطرحة، وانطلقت الزغاريد، ولمعت دموع الفرح، واندمج الجميع في الغناء «طلع البدر علينا”.

مشهد أقدم

المشهد نفسه حدث منذ سنوات مع مديحة كامل؛ كانت في عز نجوميتها، لكن نفسيتها ممزقة بين طرفين، يشدها كل طرف إلى ناحية بقوة عنيفة. دخلت ابنتها عليها غاضبة، وصرخت في وجهها «أنا شفتك عريانة النهاردا على أفيشات الفيلم الجديد، ومعرفتش أرجع البيت وأوري وشي لجوزي». كانت ابنة مديحة كامل محجبة، حسب طلب الزوج وخلطة النوفوريش المهووسة بالتاتش الإسلامي. والفيلم الذي غضبت منه هو «المزاج» الذي تقاسمت بطولته مع فيفي عبده، ولعبت فيه دور مسجونة تتعرض لتحرش جنسي من محترفات النوم مع النساء. اهتزت مديحة كامل، وظلت الكلمات الغاضبة ترن في أذنيها ونفسها المضطربة أساسًا بسبب زحف خلايا مرض خطير على جسدها، بالإضافة إلى وفاة أمها؛ لحظات ضعف متتالية كانت مدخل «تنظيم» المحجبات للنجمة الشهيرة بأدوار الإغراء. إن كلمة «تنظيم» ليست مجرد وصف خيالي أو تعبير صحفي عن الأداء شبه المنظم لتحجيب نجمة مشهورة. صرخت المغنية المعتزلة (لم تغير اسمها الفني بعد الحجاب) في الشيخ الشعراوي من أجل تحفيزه للضغط على مديحة كامل «هذه سيتحجب خلفها الآلاف من النساء، فلا تتركها إلا والطرحة على رأسها». وكانت مديحة كامل قد لجأت إلى الشيخ الشعراوي لحسم التمزق الذي تصحو فيه على رغبة في الحجاب، وقبل الظهر تشعر بأنها لن تستطيع، وتتصل بصديقات طلبًا لقوة تقاوم بها الدائرة المفروضة عليها من المحجبات؛ دائرة عاطفية ونفسية تسحبها ببطء إلى داخلها. واستقبل الشعراوي مديحة كامل في قصره بالمنصورية، وعندما لمحها من بعيد سأل «هي دي نازك السلحدار؟» (وكان يقصد دور النجمة صفية العمري في «ليالي الحلمية») ابتسمت مديحة وخرج الكلام مرتبكًا «لا، أنا بتاعة الصعود إلى الهاوية..». لم تكن الصديقة التي قادت مديحة كامل إلى الشيخ محجبة، لكنها لم تكن وحدها، كانت هناك المغنية (يطلقون عليها أمين التنظيم على سبيل قبيل الطرفة)، وشيخة أخرى من جيش الأخوات. الصديقة غير المحجبة هي التي حكت ووصلت إلى السؤال المباشر: لو تحجبت، هل تفعل ذلك فورًا أم تنتظر إنهاء الفيلم الذي ارتبطت به؟!سأل الشيخ بطريقته المميزة في الضغط على الحروف: هل هناك شرط جزائي؟! قالت مديحة: نعم.. كبير؟! (سأل الشيخ)، وعندما عرف أن الشرط الجزائي كبير، واصل الأسئلة «المنتج بيته ها يتخرب؟». «طبعًا..» إجابة سمعها قبل أن يبدي رأيه «كملي الفيلم». هنا صرخت المغنية «لكن المنتج مسيحي كافر.. وستظهر في الفيلم عارية». أوضحت مديحة كامل «مش عارية يا مولانا.. لكن دون حجاب» لكن صراخ المغنية أصاب الشيخ بالقلق، وعاد إلى الأسئلة “هو الشرط الجزائي كام؟”

ابحث عن حلا في السابق و التالي

لم تعد مديحة كامل إلى بيتها، بل خطفت إلى بيت من بيوت الشيخات، وأقيم لها حفل «طلع البدر علينا» وسط دموع وصرخات وتهليل وتكبير، كأن «التنظيم» فتح مكة أو عكا. هكذا أيضا خرجت حنان ترك بالإسدال، وكلمت زوجها خالد خطاب، وقررت أن تحكي لأطفالها، لكنها اكتشفت أنهما ذهبا إلى النوم، وقبل أن تنتهي من يومها المشحون، اتفقت مع حلا شيحا على جولة تسوق لشراء ملابسها من المحلات الخاصة بملابس المحجبات. أقيمت الحفلة في لحظة تردد كبيرة، أقرب إلى حفلات الهوس الجماعي. يمكن النظر إليها على أنها طريقة علاج جماعي للمشكلات النفسية؛ وهي طريقة نحتاجها جميعًا في لحظات الأزمات الروحية، لكنها تتحول هنا إلى حدث. أو إلى انتصار في غزوة ضد مجتمع الجاهلية. هذا هو الخطر الذي يحول الحجاب إلى رسالة ملغومة، أو صورة مفخخة تقسم المجتمع إلى محجبات وسافرات. مؤمنين وكفار. توابين وخطاة. أهل جنة وأهل نار. ملائكة وشياطين. وهذه التقسيمة ترفع درجة الاحتقان. وتدفع إلى تصادم قادم. وتصنع أرضية لحكم متطرفين يحولون الحياة في مصر إلى سجن كبير اسمه: الدولة الدينية؛ سجن تضيع فيه الحقوق وترتكب كل الخطايا باسم الله والدين، ولا مجال للاختلاف لأن الحكام هم وكلاء الله على الأرض. والدستور كلام الله، لا كلام البشر. ورجال الدين فوق الجميع يقولون حقيقة مطلقة ويقودون شعبًا من العصاة إلى حظيرة الأمان الديني.

تقول الذاكرة

حلا شيحة مثل حنان ترك، من جيل استقبل وعيه الدنيا ونجمات السينما والغناء يخترن مصير رابعة العدوية. لم تكتف شمس البارودي وهناء ثروت وشهيرة (أعلنت عن عودتها قبل أسابيع) باعتزال الفن واختيار الحجاب موديل أزياء يناسب الأفكار الجديدة، بل أرادت كل منهن أن يكون حجابها رسالة إلى مجتمع يعيش في “الحرام”. كانت كل منهن موعودة بدور «الداعية» أو «الشيخة» التي تتحول إلى علَّامة في الدين فور أن ترتدي قطعة قماش على رأسها، وتغسل تاريخها الشخصي فور تغطيتها للرأس. هذه صفقة مضمونة نفسيًّا، لأنها تعوض النجومية الضائعة بقوة النفوذ على النساء الأخريات، خصوصًا وأن التعليمات التالية تحول المحجبة من مجرد إنسانة عادية إلى حاملة رسالة، لأن عليها أولاً أن تقنع زوجها ثم أولادها بتغيير شكل الحياة، إذا كان الزوج من محبي المشروبات الكحولية يحرض تنظيم المحجبات المحجبة الجديدة على أن تلقي بزجاجات الخمر في التواليت، وتعطي رقم تليفون الزوج إلى أحد أزواج عضوات التنظيم ليرتب الضغط عليه بشكل آخر للذهاب إلى المسجد، والابتعاد عن الحياة العادية واختيار أماكن وجلسات أخرى. هنا تشعر المحجبة الجديدة بتحول في شخصيتها، وفي موقعها من البيت. تصبح قائدة. ويفرح الرجل الشرقي برغبة زوجته في إعلان الحشمة، أو تصميمها على إظهار الحرص على العفة. يمنحه هذا نوعًا من الاطمئنان، وواجهة يفخر بها وتمسح خطاياه الأخرى.

ولمزيد من التذكر

وصلت حلا شيحة مصاف النجومية، وظلت في طريقها القلق تقترب بالتدريج من التوافق مع نظرة ترى السينما «منزل المحرمات» وهي نظرة لا تستوعب المسافة بين الواقع والخيال التي تلعب فيها السينما. وخلقت تنافسًا على موقع نجمة «السينما النظيفة» أكثر المصطلحات رواجًا مؤخرًا وترتبط به مصطلحات مثل «سينما تشاهدها كل العائلة» و«أفلام لا يخجل منها الآباء ولا الأبناء» وهي، في تصوري، شعارات تجارية تغازل الاتجاهات المحافظة في الشرائح الجديدة للطبقة الوسطي، خصوصًا العائدة من الخليج، والمعتادة على رقابة الثقافة البدوية، وهؤلاء جمهور دور العرض الحديثة جمهور يحب سينما خالية من الحواس، سينما بلهاء تلعب على مشاعر ساذجة ومليئة بتلميحات جنسية على طريقة جلسات الرجال في المجتمعات البدوية. لكنها تنفي الجسد والمشاعر خارجها، وكأنها ترى في المشاهد الجريئة على الشاشة نوعًا من العري المبتذل على الرغم من أن مشاهد الحياة تتجاوزها

كان المجتمع كله تحت هيمنة “الكود الأخلاقي” الذي يرى الفن فضيحة، بل إن ممثلة مثل منة شلبي صُنِّفت في أول أدوارها السينمائية على أنها من نجمات الإغراء في فيلم «الساحر» لأنها رضيت بالقبلات على الشاشة، في إطار لعبها لدور فتاة مراهقة تعيش في عالم من الرغبات المكبوتة، وظلت الصحافة تطاردها بأسئلة من نوع: كيف يمكن حذف القبلات من الفيلم؟ كيف وافقت على القبلات؟ ما شعورك وقتها؟ هل أنت نجمة إغراء؟ لتجد الممثلة المتمتعة بموهبة قوية نفسها مختصرة في مساحة صغيرة ومختزلة في صورة من الصعب الهروب منها، وكأن المجتمع يصنع صوره ويعيد تصديرها إلى السينما في مسار حركة مرعب. ويمكن لشخص ما عابر أن يكلف نفسه ثمن شراء علبة بوية سوداء ليلقيها على أفيشات فيلم تظهر فيه بعض أجزاء من جسد ممثلة، كأنه يغطيها كي لا تجرح الحياء الذي يعيش في ظله

دور الشيخ المجنح؟

 الشيخ بالغطاء المجنح (محمد الصاوي)  يبكى كثيراً، حتى أن هناك دعوات لحضور ماحتفالات خاصة ب”بكاء الشيخ محمد الصاوى”، وكان ظهوره منطقة الذروة الأولى ، فالبكاء  شحن بطاريات الميلودراما. حكى الشيخ في فيديو على لسان يوسف هاريسون زوج حلا شيحة، الذي استقبلت قنوات الإسلاميين إسلامه باحتفالات النصر المبين؛ كندي إيطالي عاش في الإسكندرية ومتزوج من نجمة سينما معتزلة. ليس هناك أفضل من هذا ليكون ظهوره قصة مثيرة، ومفاجأة يعلن عنها قبلها بأيام. قال الشيخ إن يوسف بكى عندما سمع قرار زوجته حلا شيحة، التي نفت في ظهورها الصوتي الوحيد (على التليفون في برنامج العاشرة مساءً)، أن يكون زوجها قال ما أعلنه الشيخ؛ هذا ما أكده زوجها لها، وعلقت هي عليه “وحتى لو قال له كلامًا عن أسرار بيت، كيف يسمح لنفسه بإذاعته على الملأ؟.

حلا كانت تدمر بصوتها الهادئ كل ما هو ميلودرامي في قصتها. بداية طبعًا من بكائية الشيخ، الذي خرج ممثلاً للرجولة الشرقية المهزومة، هو وشيخ آخر (حازم شومان) عرف بسلاطة اللسان والجبروت في النبرة التي يتحدث بها عن “قوائم الرضا الإلهي”، صوته مهتز، وضعيف، يستجدي المهاجرة العائدة إلي عالمها القديم :إنتي قدوتي

تقوم الميلودراما على أن حلا شاردة من القطيع المنتظر لرحلة الفردوس، خديجة، ابنة الزعيم الفعلي للإخوان، اعتبرتها أخت، حتى ظن كل من قرأ الرسالة أنها تتحدث عن “ابنة الكوميونة” الهاربة.

“صوت حلا كان مستنفرًا رغم الهدوء :”ليس لي من بينهم أصدقائي

والمجتمع؟

خلعت حلا نقابها ثم حجابها، في وقت تفكر المرأة في مصر عشر مرات قبل أن ترتدي زيًّا مناسبًا للخروج إلى الشارع، لأنه على الرغم من انحسار هيمنة الإسلاميين إلا أن خطابهم أصبح الآن في الشارع، وفي أغوار الذين طردوا الإخوان من السلطة. تسلل الخطاب على مهل في أعقاب هزيمة 1967 من جلسات التربية العقائدية داخل تنظيمات مغلقة إلى الشارع والمجتمع، وصار مع الأيام “شرط الوجود الآمن في المجال العام” و “الصورة العمومية للنساء في مصر”. كان الحجاب علامة تمييز واختباء تحت خيمة متخيلة، خارجها المرأة مستباحة.

حلا شيحة في حسابها الرسمي علي إنستجرام : دعوا الخلق للخالق

تبدو حركة المتمردات على الاختباء، حركة فردية هشة، تواجه بعد انحسار الإسلاميين، جحافل من مندوبي السلطة على الأرض، تتيقظ فيهم مشاعر الرجولة الشرقية الجريحة، بالتاتش الديني، لتطبق مرجعيات التشابه على الجميع، وهذه وحدها تدلك غريزة العقل العسكري الذي يحب الناس صفوفًا من المتشابهين.

الحركة ليست في اتجاه واحد. والإيقاع بين هسيتيريا وصمت وتدريبات على حروب في فراغ مليء بالفخاخ.

وماذا سيحدث بعد؟

حلا شيحة نجمة من صغرها؛ موهبتها ليست لافتة، بقدر شخصيتها القلقة. وعلى الرغم من ذلك يحبها الرجال الشرقيون من أجل علاقات مستقرة، لا تشير إلى خبايا عميقة أو توحي بشراسة حلف القناع الهادئ، فحكايتها تختبئ مباشرة خلف ضحكة مطمئنة.

نشرت على حسابها الموثق في “إنستجرام” صورًا كتبت تحتها تعليقات مثل “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا” و”دع الخلق للخالق”؛ جمل عادية لا توحي بمحاربة أو متمردة، لكنها تطلب “الأمان”، على الرغم من أنها هددت مؤسسة تبني سلطتها على نشر الشعور بالذنب.

هذه المؤسسة على الرغم من اتساع مداها، إلا أنها تواجه تحديًّا مهولاً يخص هيبتها. خصوصًا بعد فقدان الدعم الكبير (المحرك ماليًّا والمحرك فكريًّا) من دول البترول التي عاشت كموديل بقعة الزيت التي تطفو بقيمها القديمة في مجتمع تسقط عليه الحداثة دون محتواها ولا أفكارها، هذه الدول تنسحب الآن تجاه الاندماج، بل وقيادة حداثة الألفية الثالثة في هذه البقعة الجحيمية من العالم.

ما علاقة كل هذا بقرار ممثلة تغيير موديل ملابسها؟

عد إلى البداية وحاول أن تجيب عن السؤال بنفسك.