مهاب نصر، كاتب وشاعر وصحفي من مواليد الإسكندرية. كانت لحظة انتقال الاسكندرية من آخر آثار مدينة كوزبوليتانة، وتحولها إلى مدينة للحنين في الأدبيات الرائجة: مدينة الشاطئ والحب والجمال، بالتناقض الصارخ ما مايدور فيها ومزاج أهلها حافزا على السؤال عن ما وراء المدينة؟ كيف تشكلت، وكيف أعيد إنتاجها عند مفاصل تاريخية بعينها، لترضي خيالا سياسيا أو أدبيا؟ هل المدينة مكان يرى في كليته كأيقونة، أم خلفية في لوحة الفعل الإنساني؟ الخوف الغامض من التحولات التي كانت تمزق قماشة المدينة لم تؤد إلى تمسك مفتعل بها، بل رغبة دائمة في السفر، قوامها ثقة ما تحققت ذات يوم. مدن ما بعد الاستعمار بدت لها كحكاية بلسانين لا يفهم أحدهما الآخر. أبوه ابن "بحري" وخريج الفلسلفة، حكى له عن مدينة سقراط والسفسطائيين، عن المشائين كما لو كانوا قد مروا من شارع قريب. إلى أي مدينة ينتمي؟ مدينة أبي العباس ومولد الإباصيري؟ مدينة جده الأكبر "محمد الشريف" الذي يرقد جثامنه ضمن مقام الـ"12 شيخ" جوار سيدي ياقوت، أم مدينة باسترودس وأثينيوس؟ أم مدينة الطلبة الوافدين من الريف؟ سكنه كان قريبا من شوارع الدعارة، البقايا الممسوخة من العهد الاستعماري، حيث تحولت مراقص التانغو والفوكس تروت إلى ملاعب للقوادين. والآن وهو يعيش في الكويت بعد أن سافر إلى أماكن أخرى: اليونان، فرنسا، بلجيكا، تركيا، البوسنة، وحتى ليبيا وتونس والامارات ربما يتساءل كيف أمكن له مفارقة الموكن الأصلي دون أن يشعر باغتراب؟ كيف تعلمنا المدينة أن نكون مواطنين عالميين.. وكيف نفقد ذلك الآن؟ متى بدأ خراب المدن؟ هل ثمة إمكان لتجاوز المدينة دون تجاوز الرابط الإنساني؟