تتفتح الطفولة في مدن سحرية، وتسير فيها كمن يسير نائما. بخارى وسمرقند كانتا بالنسبة لي اثنتين من مدن الطفولة تلك. فقد تعلق قلبي في فترة طفولتي كثيرا بحاضرتي بلاد ما وراء النهرين. ودأبت بنهم على قراءة أخبارهما التي تختلط فيها الحقيقة بالكثير من الخيال. فعرفت أن المدينتين كانتا تقعان على طريق الحرير، الذي سار عليه الفرس، والتتار، والمغول، والمسلمون، والصينيون، والأوروبيون. وعرفت أن زمرد البارعة الجمال حكمت سمرقند بعد أن تنكرت في صورة فارس هربا من اللصوص الذين اختطفوها، حتى عثرت على حبيبها علي ابن شار فكشفت له عن نفسها، وتنازلت عن عرشها. كان لجرس كلمتي بخارى وسمرقند، بهذا الترتيب دوما، أثر السحر على مسامعي، فيكفي أن يرد ذكرهما أمامي حتى ينفك عنان خيالي، وأفكر في النهرين الأسطورين اللذين يحدانهما، وفي الجمال الخارق الذي يسكنهما. أفكر في عالم غابر لم يعد له أي أثر. وبالرغم من أن هاتين المدينتين واقعيتان، ولا تزالان قائمتين اليوم في دولة اوزبكستان، إلا أني أفكر فيهما كثيرا كمدن متخيلة في الأساس، ولدتا من رحم خيال الطفولة، قبل أن يصهرهما آتون التاريخ. تاريخهما المادي ملفوف بحجاب شفاف لا أكاد أجرؤ على فضّه إلى اليوم.