حسن كازانوفا….صورة مقربة

مذكرات عطشجي في السكة الحديد

مصطفى الناغي

 
لم تكن صداقتي مع حسن كامل وليدة المصادفة؛ فقد كان هناك رافد أساسي في تكوين شخصيته، وأعني بذلك تأثير أخي مطراوي الكاسح على تكوينه العقلي والعاطفي على حد سواء.. فلقد كان هناك جانب مضيء في عقل حسن كامل، وهو حبه لفن الرسم.. وهنا ينبغي أن ننوه إلى أن التكوين الثقافي والمعرفي لحسن كامل حدث بسبب احتكاكه المستمر مع ومن خلال الحياة الثقافية، وحدث ذلك في شقتنا البسيطة تلك.. لقد تمكن أخي مطراوي أن يبث في عقل حسن كامل/ كازانوفا حب الفن عمومًا، لا فن الرسم فقط.. لكن كيف حدث ذاك الاهتمام بالفن، كان ذلك على سبيل المصادفة.. وذلك بينما كانت الأسرة بالكامل تستمع إلى أغنيات الشيخ إمام وفيروز، لكن حسن كامل تأثر بشكل مثير بأشعار أحمد فواد نجم، ومن ثَم بصوت الشيخ إمام؛ فجاءت لوحاته تعبيرًا حسيًّا وعاطفيًّا ناتجًا عما تأثر به مما استمع إليه.. وكانت حقًا مفاجأة للجميع.. إذ رسم حسن كامل أغنيات الشيخ إمام وبشكل لا يصدق.. وهو ما جعل أخي مطراوي يهتم بهذه الموهبة الفطرية الطفولية.. فبدأ في اصطحابه إلى السينما، وخصوصًا إلى أفلام يوسف شاهين وصلاح أبو سيف.. وإلى مسرح الطليعة والقبة السماوية في دار الأوبرا، وحفلات عدلي فخري في المركز الثقافي الروسي..

من ثَم كانت غالبية قصص حب حسن كازانوفا تقع في يدي.. وذلك لسبب بسيط أنه لم يكن يمتلك تليفونًا أرضيًّا في منزله، فأصبحت أتلقي جميع المكالمات العاطفية من عشيقاته على تليفوني المنزلي.. وما أكثر ما اوقعتني هذه المكالمات العاطفية في مشكلات مع أسرتي، لكنني كنت أتحمل هذه المشكلات عن طيب خاطر لأنني كنت أعرف أن حسن كازانوفا عنده عقدة الأنثى البيضاء؛ إذ كانت غالبية عشيقاته من ذوات الشعر الأشقر والعيون الخضراء والجسد الفرنساوي المتناسق، وكذلك كانت غالبيتهن من الطبقة الراقية؛ حتى إنه وقعت في يده فتاة أو امرأة تشبه الي حد كبير الممثلة الشهيرة شيرين رضا.. هذه المغامرات جعلته في نهاية حياته يدمن مخدر الهيروين الرهيب، الذي كان يتعاطاه عن طريق حرقه؛ كان يضعه على ورقة علبة السجاير المفضضة ويبدأ في تسخينه من خلال عود الثقاب ليستنشق بعد ذلك هذا الاحتراق المميت! وقد قال لي بعد ذلك إن هذا الاحتراق الناتج من المخدر الرهيب يجعله يفعل كل شيء صح.. وكان يقصد بهذا تصرفات شخصية وممارسات جنسية وخلافه.. وتطور الأمر تطور بعد ذلك وأصبحت عشيقاته هن من يشترين له هذا المخدر الرهيب في مقابل ما يحصلن عليه من متعة جنسية لا حدود لها.. وهذا ما عجَّل بنهاية حسن كازانوفا المأساوية. 

اليوم دخلت إلى المنزل الساعة الثانية عشرة مساءً، وعندي أمل أن أسرد قصة حياة حسن كازانوفا بالكامل.. فقد كان له تأثير قوي على مسار حياتي القصيرة تلك.. كان حسن يملك قدرات خارقة في التأثير على كل من حوله، سواء رجالاً أو نساءً.. وساعدته على ذلك ملامحه السمراء، التي كانت تجعل كل من يتعامل معه يشعر بالطمأنينة والحب والثقة.. كان الرجل شديد الإخلاص في كلماته، بل ومؤتمنًا على الأسرار الشخصية لكل من يتعامل معه، خصوصًا فيما يخص السلوكيات الشخصية.. بل كان يملك صفة التحفيز الذاتي لو كنت محبطًا من الحياة.. وهذا ما جعلني منبهرًا بشخصيته القوية تلك.. أذكر على سبيل المثال، في أحد أيام الصيف الحارة كنت أجلس في المنزل في غاية الإحباط من كل شيء في حياتي، فإذا بي أجده أمامي، قائلاً: لماذا لا ترسم على زجاج نوافذ المنزل، أو حتى على أبواب الحجرات؟ وقد جعلتني نصيحته تلك في منتهى السعادة.. وعندما أتممت جزءًا كبيرًا من الرسم على زجاج نوافذ الحجرات والمطبخ وجدته سعيدًا للغاية.. حتى إنه دفعني كي أكمل الرسم على أبواب الحجرات، وذهلت عندما وجدت النتيجة مبهرة ومفرحة.. على الأقل وجدت الفرحة في أعين أخوتي والجيران عندما حضروا كي يزورني في المنزل.. أو حتى من تعليقات الأطفال في مدرسة شجرة مريم الملاصقة والقريبة للغاية من منزلي.. كان الموضوع بسيطًا للغاية؛ إذ ذهبت إلى مكتبة الشرق التي توجد في شارع المطراوي والملاصقة لقسم شرطة المطرية القديم، واشتريت ألوان زيت وفرشاة رسم ماركة ليوناردو دافنشي، وبدأت في خلع زجاج النوافذ، وإذا بالزهور الحمراء والصفراء والبيضاء تتألق في إحساس جميل، بل وعاطفي، وخصوصًا مع سقوط ضوء الشمس على الزهور..

كان حسن كازانوفا في ميدان التحرير.. طبعًا ذهب حسن كازانوفا للمشاركة في ثورة 25 يناير في ميدان التحرير؛ وكان من الثوار المتحمسين للثورة، وذلك بسبب إحساسه الثوري أصلاً، الذي أسهم فيه بشكل كبير أخي مطراوي.. تعاطف حسن كازانوفا مع الثورة منذ اليوم الأول.. وأستطيع أن أؤكد أنه لو كان حسن كازانوفا متفرغًا لكان من الأبطال.. ولولا أنه كان موظفًا حكوميًّا يعمل على ميني باص لكان أداؤه أفضل.. لكنه مع ذلك تطوع وذهب بكل قواه إلى عرين الثورة وكله أمل في التغيير..
لم يكن حسن كازانوفا ابن هذه اللحظة الثورية فقط، بل كان ابنًا شرعيًّا لأخي مطراوي.. وكان مطراوي نتاجًا لثورة جيل الستينيات.. ثورة شباب الهيبز والتمرد على سلطة الأب.. أيًّا كان هذا الأب؛ سواء كان عبد الناصر.. أو حتى أبي السيد الناغي في المنزل.. رفع أخي مطراوي منذ البداية أنشودة الثورة فوق كل شيء..
وكانت حياتي مع حسن كازانوفا تشبه لقطات من فيلم سينما.. مشهد وراء مشهد، لا يفصلهما المشهد الحزين في سجن القطا؛ عندما ذهبت إليه في زيارة وهو مسجون في هذا المعتقل الرهيب.. ولكن هذه حكاية أخرى.