أصواتنا في الليل تزعج الخفافيش

إذا كان هناك المزيد من الناس يتكلمون، فيتوجب علينا النظر إلى كلٍ منهم على حدة لنعرف ما يقول، ولهذا علينا ضم تلك القناة الحسية الأخرى، العيون، لتساعدنا على أن نفهم ما نسمعه.

محمد عبد الرؤوف

فى المساء نأتنس، نحن، عشاق الليل بصحبة الخفافيش. فارس الليل الذي يعيش فى مناطق قليلة يمكن أن نطلق عليها أحراش المدينة، تصاغ عنه الحكايات الأسطورية، ويُخلق من تزاوجه بالبشر أبطال خارقون. كما درسنا فى المدرسة، طائر الليل الوحيد ليس من الطيور، بل هو النوع الوحيد من الثدييات القادر على الطيران. يوجد نحو 1,240 فصيلة من الخفافيش وتعتبر ثاني أكبر رتبة من الثدييات من حيث الأنواع (بعد القوارض) وتمثل هذه الفصائل نحو 20% من الثدييات على الأرض. تتغذى معظمها (نحو 70%) على الحشرات، بعض الفصائل الأكبر حجمًا تتغذى على الفواكه، وفصائل أخرى قليلة تتغذى على الحيوانات مثل الخفاش آكل السمك، والخفاش مصاص الدماء. يستطيع الخفاش أن يعيش وحده، أو فى جماعات.

الخفافيش يفعلون شيئًا شبيهًا لما نفعله فى حفلة صاخبة، يمكنها توجيه انتباهها لصوتٍ واحدٍ

ليس اعمى

المعلومة الأخرى الشائعة عن الخفاش أنه لا يستطيع أن يرى. هذه المعلومة ليست حقيقية فكل أنواع الخفافيش تستطيع النظر، يحدث هذا بقدرات متفاوتة طبقًا لحجم عيونها، التي تكون ضئيلة جدًا فى حالة الخفافيش الصغيرة، لكن الخفافيش الكبيرة لديها جهاز بصري متطور تستطيع الرؤية بواسطته جيدًا مثلها مثل البشر، إن لم تكن أفضل. لكن ما يثير الخيال عن الخفاش هو تطور جهازه الحِسّي بشكل عام، فكِبر حجم أذنه يجعل منها جهازًا يرصد الصدى Echolocation، هذا الجهاز موجود فى ثدييات أخرى مثل الحيتان، ويعمل كالسونار فتتعرف الحيوانات من خلالها على البيئة المحيطة بها وتصطاد فرائسها. جهاز الرصد بالصدى متطور جدًا لدى الخفاش مما يسمح له بإصدار أنواع مختلفة من الموجات الصوتية، بعض الخفافيش أذنها شديدة الحساسية تجاه موجة صوتية محددة لذا تصدر موجات مختلفة عن هذه الموجة لتجنب الصَمَمُ، وتعيد استقبال موجاتها المفضلة نتيجة تغير الموجة من خلال تأثير دوبلر Doppler effect، هذا التغيّر في الموجات يعطي الخفاش معلومات عن موقع فريسته وأسلوب حركتها.

تصوير Sallie Pisch
الخفافيش سكان ليل المدينة

كيف يرى الخفاش فى المدينة؟

قد لا نسمعه، لكن طنين الخفافيش يتغلب على ضوضاء المدينة، يعبرعن هذا “مايك ريان“ Mike Ryan أستاذ الأحياء التكاملية فى جامعة تكساس، أوسطن، واحد من المشاركين فى دراسة حديثة عن أحد فصائل الخفافيش بقوله إن:“ الخفافيش يفعلون شيئًا شبيهًا لما نفعله فى حفلة صاخبة. وسط كل المحادثات يمكننا أن نوجه انتباهنا تجاه شخص واحد فقط، وأن نتجاهل الباقين“.

 لدراسة نشاط أحد فصائل الخفافيش تحت تأثير الضوضاء يستخدم الفريق البحثي الضفادع، أحد فرائس تلك الفصيلة من الخفافيش، فصنعوا “إثنين من الضفادع الآلية “الروبوتيةRobot تقلد إحداهن بدقة نداءات وتوسعات الكيس الصوتي للضفادع، وهما صوتين مميزين، وتقلد الأخرى صوتًا واحدًا فقط منهما. قام الفريق بإصدار ضوضاء قوية فوق الضفدعين “الروبوتيين“، فلاحظ الفريق أنه تحت تأثير الضوضاء ينشط جهاز التعرف على المكان بصدى الصوت Echolocation للخفافيش ويهاجم الخفاش الضفادع التي تصدر الصوتَين بنسبة أكبر من التي تصدر صوتًا واحدًا، وفي حالة غياب الضوضاء يهاجم الخفاش الضفدعَين بشكل متساوى. كما يستطرد ريان قائلًا: “يرمي الباحثون فى هذه الدراسة إلى أن الخفافيش تغير من نظام عمل جهازها الحِسّى فى حالة الضوضاء لتحسين قدرتها على اصطياد الفرائس للغذاء. إذا كان هناك شخص واحد فقط يتحدث والمكان هادئ تمامًا فكل ما نحتاجه هو أن نستمع بآذاننا، لكن إذا كان هناك المزيد من الناس يتكلمون، فيستوجب علينا النظر إلى كلٍ منهم على حدا لنعرف ما يقول، ولهذا علينا ضم تلك القناة الحسية الأخرى، العيون، لتساعدنا أن نفهم ما نسمعه”، وهذا ما قام به الخفاش فى تلك التجربة.

DSC_0772